ولاد فينوس
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
النجوم تتلألأ بكامل ألقها وكأنها جواهر فريدة، ففي هذه الليلة المتوهِّجة سيختار الأولمب ملكة له.
من هي هذه الآلهة الأكثر جمالاً؟
المقارنة صعبة، فجميع الآلهات خارقات الجمال إلاّ أن فينوس هي التي تفوز بضفائر الغار فجمالها وفتنتها لا مثيل لهما ولا جدال في انها هي الأجمل.
فينوس، فينوس، لماذا تُخبئين هذا القدر من العذوبة؟ تألقي وأشعِّي روعة من وهج هذه العوالم فأنت أجمل الآلهات طرًّا. عطر جمالك يُضمخ الأكوان، وجميع الكائنات السماوية والأرضية يقدمون لك تعبُّدهم ويرفعون إليك بخور حبَّهم فيصعد في الجو ليكون في حضرتك.
إن يدًا ماهرة مقدَّسة صاغتك كغزالة مُثيرة للاعجاب والتقدير، ومن أجل أن تكرس جمالك الفريد فهي تدعوك لزيارة العوالم. ستشعلين النيران التي ستُلهب النفوس التائهة. أنت ربة الأولمب التي يتخشع الجميع أمام حُسنك وجمالك.
تستجيب فينوس للدعوة وتروح تجتاز الأخدار والمطارح السماوية في مركبتها الملكية.
كم هي خلابة هذه الرحلة العجائبية! الفراديس تتوالى بديعة دائمًا، يعجز اللسان عن وصفها. والآلهة فينوس تتلألأ وتبث القلوب أشعتها المُحيية التي تتنازعها الآلهة بكثير من الغيرة، فها هم فولكان(1) ومارس2 وهرمس3 وبأخس4 والعديد غيرهم يتلهفون للقاءها، وتتعدد في قلوبهم نيران الحب والوجد فقد أيقظت لديهم هيامًا قدسيًا جارفاً:
وراحت مركبتها التي تقودها طيور عديدة، طواويس ويمام وسنونو ومعها طائفة من الاوس، وترتفع بها متوجهة صوب المياه وسافر الموكب على صفحة البحر والأمواج تحتضن فينوس بلطف.
أما هي وقد انتشت بذلك اسلمت نفسها للهوها المُحبَّب.
وها نبتون رب البحار قد حضر لاستقبال الملكة الفريدة ترافقه حاشيته الملكية، ثم راح عالم البحار يعرض جمالاته تحية للآلهة العجائبية. وتوافدت عرائس البحر وحورياته ورحن تقتربن من فينوس يمعنّ النظر إليها، وحفت بها رفوف الأسماك بحراشفها اللامعة تحت أشعة الشمس، وراحت مياه البحر تتموج وتقوم بانحناءات الترحيب.
وغمرت نبتون مشاعر السعادة والاعتزاز بزيارة فينوس فأثار الأمواج وحرّكها فإذا عالم البحار في فورة الابتهاج لهذا الشرف العظيم، فأقام لفينوس عيدًا وأصعدها إلى قصره البحري، قصر بُنيَ بالحجارة الكريمة الشفافة، المُتعددة الألوان، وأنار حزم الضوء أسفل المياه.
كانت فينوس تبتسم، فاشتهاها نبتون ففتنتها ساحرة ومن ذا الذي لا يدلل ويعشق الهة على هذا القدر من الجمال والفتنة؟
نعم، فهي نجم أدخل النور والبهاء على حياة نبتون، وشمس ترسل أشعتها مضيئة متوهجة في عالمه البحري. لم يُردْ نبتون وقد توله بحبها أن يفترق عنها، فغمرها بعطاياه وَحرص على تلبية كل رغباتها.
إن تفاخرت فينوس وعانقت المجد فقد حُقَّ لها، فهي محبوبة الإلهة ومعبودتهم، غير أنها لم تقم بزيارة الأرض بعد.
بدأ اليأس يتغلغل في كيان نبتون فمحبوبته ستهجره. بكى بمرارة وزرفت عيناه سيلاً من الدموع فتحولت كل واحدة منها إلى موجة ضخمة تستطيع ابتلاع كبيرات السفن.
ويضرب الإله بشوكته مياه البحر بشدة، ويتفجر غضبه. وبألم شديد يسجن نبتون فينوس في قصره. إنها الآن سجينة اله البحار.
إنها تتألم وتتأوه. حزنها لا حد له، هي التي كانت على مر الأزمنة تنشد الحرية. وتلوح في الأفق بارقة أمل، فمن بين الأصداف الموجودة في قصر اله البحار، ارتَضتْ صدفة أن تحمل فينوس في جوقها وتذهب بها إلى الحرية، وهكذا تمكَّنت الإلهة من مغادرة القصر غير مُتناسية كبر العقوبة الجزاء اللذين ستتعرض لهما هذه الصدفة البطلة التي حملت الالهة عبر الأمواج التي كانت كل منها تحمل الصدفة وحملها الثمين إلى رفيقتها حتى أوصلتها إلى شاطئ مشمس من شواطئ جزيرة يونانية اسمها اليوم قبرص.
وانفرج فاه الصدفة وبرزت منه عروس سماوية. هكذا كانت ولادة فينوس على الأرض. كرمتها الشعوب وقدمت لها الهدايا من أوراق الآس والريحان، من الورود وأنواع الزهور التي كرَّست منذ ذلك الحين لعبادتها، ووضع عليها غطاء من بتلاث الورود العطرة إلى أن أحضرت لها مركبتها وزنارها السحري الذي يسبغ عليها الرشاقة والجمال.
في ذلك اليوم صب نبتون حقده وغضبه فلم يسبق للبحر أن كان في مثل هذه الثورة وهذا الغضب. وراح اله البحار ينتقم من الناس المساكين الأبرياء. فكم من الصيادين والبحارة كانوا ضحايا غضبه وهياجه، إلى أن أرسل جوبيتير، إله الألهة، رسوله ليهدأ ثورة الغضب هذه.
وأنت أيتها الصدفة المسكينة، يا من قدمت حياتك تضحية "للآلهة فينوس، فكان لك الأكرام والاجلال مُكافأة من أناس ذلك الزمن الذين قدموا واجب التكريم والتبجيل للهدية الغالية التي حملتها إلى موطنهم، إلى الأرض.
1 – فولكان، في الميتولوجيا الرومانية هو اله النار والتعدين، هو الاله هيفا يستوس لدى الأغريق. هو ابن جوبيتير وجونون. تزوج من فينوس التي خافته مع الآله مارس.
2 – في الميثولوجيا اللاتينية هو اله الحرب والنبات اسمه آريس لدى الاغريق. حسب التقليد الروماني هو ابن الآلهة جونون ووالد روميلوس وريموس اللذين ولدتهما ريا سيلفيا، كاهنة معبد الالهة فيستا.
3 – هرمس هو استنادًا إلى الميثولوجيا الاغريقية ابن الاله زوس ومايا، وهو رسول الالهة والناطق بلسانهم، وهو الساهر على سلامة التجارة والتجار والمسافرين وأيضاً اللصوص، أسماه الرومان الاله ميركور (عطارد)
4 – باخوس، اله الخمر لدي الرومان. هو الاله ديونيسيوس لدى الاغريق.
5 – نبتون، اله البحار لدى الرومان، هو نفسه بوسايدون لدى الاغريق.