كيف ولدت الثمار
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
ها هو الفردوس الأرضي.؟ وها آدم وحوّاء، اليد باليد يجوسان سعيدين أنحاء هذا المكان الهانئ الساحر، مأخوذين بجمال الطبيعة الفتَّان، مُصغيين إلى الألحان الملائكية ومتلذِّذين بأطيب الثمار مذاقًا.
وكانت كل شجرة مُثقلة بحملها الرائع تنحني عند مرور آدم وحوّاء الفائقي السعادة مقدمة لهما أفضل ما لديها، وكانت الأغصان دائمة الأنحناء لثقل ما تحمله من الثمار التي لم تكن لتنحصر في موسم معين. إنها دائمة الوجود.
آهٍ! يا لروعة تلك الأشجار يتلاعب نسيم ربيعيّ بافنانها المُتعانقة وأوراقها الكثيرة تجف بالثمار لتبرز جمالها وتجعلها أكثر اشتهاءً فتبدو كنجيمات مُنيرات متوهجات تعطرها النسائم العليلة فتتسارع العصافير النهمة الفردوسية الريش لتتذوَّقها وتسكر من رحيقها فتعود نحو آدم وحوَّاء تنشدهما أعذب ألحانها.
لم يخلُ الفردوس من أي نوع من الأشجار. فجميع الأنواع كانت تتباهى بوجودها في هذه العَدَنْ, ويا للروعة! فهذه الأشجار القادرة على التنقل والجري على جذورها لم تكن أشجاراً أرضية. انها سماوية ترافق آدم وحوّاء، تقفز وتعدو أثرهما متساوقة مع خطواتهما، مُتمهِّلة معهما، تاركة جواهرها العطرة تتدحرج أمامهما فيلتقطانها قبل سقوطها على الأرض ويقضمانها بلذَّة وفرح.
شجرة الكرز أغصانها مُنحنية لحملها الوافر من حبيبات الكرز التي تضاهي اليواقيت بجمالها.
كانت ملكة ذات وجه ساحر تعتلي رأس كل شجرة من أشجار الفردوس، مُتزينة بشعرها الحريري الطويل يحيط بجبينها تاجٌ من ثمارِ شجرتها.
شجرات البرتقال والمندرين تبرزن رأس مليكاتها للشمس، أما الدوالي الذهبية العناقيد فكانت تلفّ بسواعدها وثمارها هامة ملكتها وقوامها الرشيق. ويقدم السفرجل الذهبي نفسه ليتوج رأس محبوبته. ولم تكن شجرة الرمان لتتواني عن نسج زهورها المتألقة الحمراء ضفيرة لهامة جميلتها ولا عن نثر لآلئها عند قدميها.
لو أردتُ أن أعدد كل هذه الأميرات لطال بي الحديث واستفاض، إلا أن ما لا شك فيه على الإطلاق هو أنهن جميعًا باهرات الجمال، ساحرات، تمسك كل منهن صولجانها الذهبي الموشى بثمار شجرتها، وكنّ جميعًا يحطن أشجارهن بالعناية والحب لكي تنمو ثمارها أكثر عذوبةً وألذ طعمًا فتقدمها للغاليين الحبيبين، آدم وحوّاء.
من بين جميع هذه الأشجار، وحدها شجرة التفاح انزوت بعيدًا. فقد حرّم الله آدم وحوّاء من لمسها أو التلذّذ بثمارها. شجرة التفاح المسكينة كانت كاترابها جميلة أيضًا غير أنه لم تكن لترغب أبدًا باغواء ضيفي الفردوس. غير أن الحيّة الغادرة الخادعة مهدّت لحوّاء سبيل الغواية وأقنعتها بتذوق لذائذ التفاح لتعود بدورها فتقنع آدم الذي انقاد لغوايتها فأكل من الثمر المحرّم.
وانهال البؤس والتعاسة على نزيلي الفردوس، وعلى البنات والبنين الذين سينجبانهما ومن بعدهم البشر أجمعين.
وطُرِدَ آدم وحواء من الجنَّة. خبرا التضور من الجوع والمُعاناة من العطش وتكبدا الآلام والأوجاع. وعندها راحت تراودهما ذكريات ما كان ينعمان به من لذائذ في عالم ليس مثله في الأحلام.
الفردوس حزين لفراقهما. الأزهار والثمار، الطيور والبهائم تروّي بدموعها عبثًا تراب الأرض. اشفقت ملكات الأشجار على آدم وحواء وكن يرغبن بمؤاساتهما والتخفيف عنهما ببعض من ثمار الفردوس ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ فالفردوس محفوفٌ بالملائكة من كل جانب ولا قدرة للأشجار على تخطيها واجتياز حدوده. لكن مهلاً! فالفضاء حرّ ومُتاحٌ للجميع. اجتمعت الملكات وتشاورن فلم يجدنَ رُسلاً لهن سوى الطيور فجمعهن منها عددًا كبيراً وأطلعنها على قرارهن.
كان فرح هذه الكائنات الصغيرة غامرًا لأنها ستُدخل بعض سعادة الى قلبي الحبيبين المنفيين. قدّمت كل ملكة أفضل ما في شجرتها من ثمار إلى واحد من الطيور فحملها بأحكام في منقاره. وبعد أن تزودت الطيور بهدايا ملكات الأشجار حلقت في الفضاء مودِّعة أجواء الفردوس السماوية تحدوها سعادة اللقاء من جديد مع آدم وحواء.
استغرقت الطيور وقتًا طويلاً لامتناهٍ لبلوغ هذه الأرض, أرضنا، وأخذ منها التعب والارهاق مأخذًا كبيراً حتى أن الموت أطبق على العديد منها قبل بلوغها الهدف المنشود فسقطت وسقطت الثمار من مناقيدها وفسدت. المناخ على أرضنا ليس سماويًا فيحفظ الأشياء إلى الأبد. كل شيء مصيره الموت والفناء. لم تكن الطيور تعلم هذه الحقيقة فوقعت جميعها في المحظور، إلا أن بعض البذور والنوى انغمست في التراب وتجذرت وانتشرت في العديد من الأصقاع. الطيور التي نجتْ تمكن من بلوغ غايتها، آدم وحواء بعد أن أنهكها طول البحث عنهما فنفقت عند أقدامهما وهي ما تزال ممسكة بمناقيرها حملها الثمين.
بكى آدم وحواء طويلاً لمعاينتهما الطيور التي ضحَّت بحياتها من أجلهما. أكلا من الثمار المقدَّسة وعاودتهما أجمل الذكريات. رمى آدم وحوّاء البذور والنوى، ودون أن يخطر لهما ببالٍ نبتت هذه البذور واينعتْ.
هكذا ولدت الثمار في عالمنا. ولا شك أبدًا أن حورية ساحرة، حاملة عصاها السحرية ترعى من فردوسٍ بعيد الشجرة التي هي ملكة عليها.