جغرافية عالَمٍ
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
هناك في سماءٍ سحيقة كوكب معلقٌ، هو ملكٌ لأحد الديبة الخفية، وهو كالحرباء يبدل لونه حسب ما يريد، آخذًا ألق النجوم المُحيطة به بكل تفاصيله، متلوّنًا بألوان قوس قزح عاكسًا على صفحاته أنوار النجوم المُتعددة الألوان التي كانت تدنو منه باحترام مُقيمة كل اعتبار لكرامته ومُنحنيةً بإجلالٍ أمام الفردوس المُعظم.
يستأثر هذا العالم الفاتن بإعجاب المجرّات التي تحيط به، فلديه القدرة على اختيار الشكل الذي يرغب أن يكون عليه وهكذا يستطيع أن يتحول إلى وردة أو إلى أيّة زهرة أخرى إو إلى طائر....
هذه الزهرات النجوم، المشاعل السماوية تنشر غيمات من العبير ينتشى بها جميع من يجاورها.
هذه القبّة المُقدّسة ما تزال مجهولة من عوالمنا. يا اللهّ! كم وكم من الألغاز ما تزال مستورة في كنفك! لكنّ بعض الأسرار التي تكشفت لنا تتحول إلى أقاصيص لا قدرة لمُخيلةٍ أن تحلم بمثيلات لها.
وألفيتني فجأة في كنف هذا العالم الخيالي حيث المحبّة الإلهيّة ومحبّة القريب والصلاة مكرّسة لقدَّوس القديسين. وفي غمرة هذه الغبطة يروح ملائكة صغار يحلقون فوق جنان هذا العالم وتروح اجنحتها ذات الأجراس توقّع الحان سمفونيات علويّة.
وتمتد الجمالات على مساحة الأنظار في سحر هذا المكان الرائع. رياض مُتعددة الألوان، مُتألقة، يسود التناسق الفني ما بين زهورها. وشلالات بألوان الأحجار الكريمة، ألوان الياقوت الأحمر والألماس والمعشوق واللؤلؤ والزمرّد، وتنسكب على جبال عملاقة. هذه هي بانوراما الجمال، جمال مملكة طوباوية لا قدرة للأرضيين أن يطأوا ثراها.
الجبال هناك صخور جليلة ذات فخامة، وكل واحد منها له وجه سيدٍ من الأسياد ويملك خياره في أن يطير ويحلّق حسب ما يرغب مُعتمدًا على قدراته الخيالية، والكواكب ذات الأنوار الباهرة تتوّج شعر هؤلاء الأسياد الذهبي.
أود أن ألفت انتباهكم إلى أن هذه الصخور الجلاميد أخفُّ وزنًا من ريشة الطائر.
هذا العالمُ تعلوه قبّة مخروطيّة الشكل، مختلفة عمّا عداها، وألوف الدوائر والأملاك العملاقة الشبيهة بالخرائط الفلكيّة وهي بارتصافها جنبًا إلى جنب تشكل سماءً لهذا العالم. كل دائرة أو فلك من هذه الأفلاك يمثلُ بلدًا من بلدان هذا العالم، وهو يتجاوز أرضنا من حيث الاتساع بمليارات المرّات وكأنه لامتناهٍ في خضمٍّ لا متناه.
ألوان هذه الأفلاك التي تتمايز بعضها عن البعض الآخر تشكل سماءً من الفسيفساء الساخرةن وكلّها ترسل انعكاساتها المُبهرة في السماوات الشفافة الزرقاء.
ترسم هذه الأفلاك خارطة جغرافية مُلفتة تجذب أنظار الكواكب المجاورة دون أيّة مقاومة.
حري بنا إن لا ننسى أن الأحبار القديسين هم الذين يقيمون في هذه الصخور الجميلة ويحيونها في زيارة احد هذه البلدان التي تخصّهم.
وفي الحال ينفصل فلك عن القبّة الساحرة ويمثلُ أمام هذا السيد السعيد الحظ ويتمُّ الارتحال نحو البلد الذي وقع عليه اختياره. ويحط أمام هذا البلد ويدخل ربوعه زائرًا مختلف الجمالات الرائعة، ويروح يتأمل ويعاين حضارة هي أسمى بآلاف المرات من حضارات العوالم التي هي أدنى من عوالمهم وأسمى من حضارة أرضنا الشريرة البائسة.
يتمتع كل من هذه البلدان الجميلة بقدرة سماوية ويَنعمُ باكتشافات باهرة في الميادين الفنية والعلمية والموسيقية. ويتمتع بعض هؤلاء الأسياد بنعمة الهيّة ويجودون بما تغرقه عليهم مواقعهم السامية من فوائد على قاطني ذلك الكوكب الرائع، وهؤلاء بدورهم يشكرون نِعَم الله القدير عليهم وجزيل عطاياه وينمّون مداركهم إلى أعلى المستويات المُتاحة لهم في هذا العالم إذ أن كل كائن يحصّل المعارف وفقًا لمنزلة فردوسه الروحية.
وتتنزل أحيانًا على هذه الممالك الشاسعة مجرّاتٌ متألقة بالشموس. هذه هي عطيّة هذا العالم، إننا مؤونة غذائية سماوية تنمي الذكاء والمعرفة وترفع مستوى النفوس.
يقابل ملوك هذا الفردوس النعم الإلهية المقدَّسة بصلوات يرفعونها إلى الخالق المُبدع. وكل مقطع من هذه الصلوات يتحوّل إلى زهرة كريمة، نفيسة، سامية الرحيق والعبير، وتأتلف عشرون من هذه الزهور باقةً تقدّم نفسها أضحيةً وتتصعّد غيومًا من عطورٍ نحو الإله!