مولد اللغات
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
مملكة الرب كائنة منذ كان الزمن، وعبثًا نجهد في وصف روائع السماوات، فما من كلمات تفي بغرض التعبير عن هذه المملكة الخالدة. ومفرداتنا ليست على قدرٍ كافٍ من الغني لنتمكن من وصف رائعات الخالق.
غير أنني أؤكد شيئًا واحدًا، الله كلمات لا حصر لها لغته المقدَّسة تنبجس من ينبوع الوحي والإلهام. الله هو الكلمُ والكلم هو الله، وكلامه نورٌ. الغبطة تقيم في هذا البنور، النور الذي ينساب بألوان قوس قزح تنعكس في كل مكان. هذا النور هو كلام القديسين.
ويفهم المغبوطون بعضهم البعض الآخر بلغة الصمت لغة تفرض نفسها على الجميع ويصير الفهم في حالة تأمّل عميق. القصيدة هي انعكاس وحي دبَّجة أحد الشعراء. أوليس الوحي لغة لا صوت لها تكون محفورة في فؤاد الشاعر؟
في عوالم أكثر رقيًّا من عالمنا يتواصل بعض الكائنات بالأفكار، وفي عوالم أخرى اللغة حروفها الأعداد والأرقام، وفي بعض آخر تتواصل الكائنات بواسطة الموسيقى!
يا للجمال السامي! تنساب السمفونيات رائعة! الموسيقى هي مرآة يرتسم عليها وجه الغبطة الأبدية! وتتطاير نوطات ملائكية في هذه الأفلاك المقدّسة تتكون منها صلوات قدسيّة
وفي أحد الأقطار السماوية تلعب العيون دور الكلام، فيها الكثير من المفردات التي توقّع ما يدور بين مواطني هذا البلد. هنا تتحادث الكائنات بالعيون، فالنظرات العميقة هي بالنسبة لهم وسيلة استيعاب وفهم. هذه هي لغة العيون، هذه الجواهر التي لا تقدّر بثمن. الدموع تعبر عن الأفراح والأحزان. أنها كلمات غامضة تتحدَّث عن الحياة.
لكل نجم لغته الخاصة، ولغته هذه تكتسب الجمال، تصبح أكثر جمالاً، تصبح بلوريّة أكثر فأكثر وهي تعلو وتعلو.
الزهور في عالمنا الأرضي تتحاكى فيما بينها وتحمل الريح رسائلها المُتبادلة إلى أمكنة قد تكون قد تكون بعيدة، وكل جنسٍ من الحيوان، الهوام، الأسماك والأجناس الأخرى له لهجته ولسانه، والكل يتفاهمون فيما بينهم. كل كائن حيِّ له لغته والمفردات.
خلق الله الأرض بعد أن خلق النجوم والسماوات. الخلود له، فهو مملكته. لقد أرسى الله روابط بين قاطني كل نجم والرابط هو لغة واللغات لا تتشابه.
هناك عالمٌ في مملكة الله مُكلَّفٌ بتوزيع اللغات. إنه فردوس هائل الاتساع. الحدائق فيه ملأى بالزهور التي خُصّت كل واحدة منها بلغة. لقد فوض الله المسؤولية في هذا المكان إلى أحد ملائكته ومنحه القدرة على توزيع عطاياه في جميع فراديسه.
وعلى ضوء الشموس في الأزمنة الغابرة قطف ملاك الأبدي الله ، عددًا لا يحصى من هذه الأزهار السحرية ووزّع جناهُ على النيّرات المُرتحلة في السماوات. وكان لكل سماء زهرتها التي تتمتّع بقدرة التحوّل إلى لغةٍ كيما يُتاح للمصطفين التواصل فيما بينهم. وهكذا، وكما سبق أن أوضحت يتمّ التفاهم بلغة النور، أو بلغة الموسيقى، أو بلغة الأرقام، وتتمُّ القراءة بلغة الأفكار وبالعديد غيرها من اللغات. عندما خلق الله الأرض جاء الملاك واسبغ على عالمنا لغة واحدة فريدةٌ وهي سبيل التفاهم بين البشر. وكان تكبّر الإنسان كبيرًا وادعاؤه وتشاوفه كان اكبر.
قرأنا في سفر التكوين أن البشر صمّموا على بناء برج يطاول السماء أسموه برج بابل. وفي غمرة غضبه: أرسل الله عاصفة سماوية دمّرت برج التكبّر والصلف هذا وشتّت بنائي ذلك الصرح الملعون في اربعة أطراف، الدنيا. وفي غمرة هذه البلبلة الرهيبة، سيطر الهلع على أولئك البشر فظلّوا صامتين رهبة ورعبًا.
عندئذٍ نزل الملاك من سماءه وراح يحلّق وهو خفي غير منظور فوق الأرض، وقدم عطية لكل شعبٍ عبارة عن لغة قطفها من حديقته، غير أن تلك اللغات ظلَّت تنتمي إلى المستوى الروحي للأرض.
هكذا ولدت اللغات على كوكبنا. وفي الليل ونحن ننظر إلى قبة السماء المُوشاة بالنجوم التي تجعل أنوارها المُتألقة تومض وتتوهج، يمكننا الزعم بأنها تلقي التحية علينا ويمكننا أن نرد تحيتها بقلوبنا وهي تفهم ما نقول.