حبّة الرمل
من أقاصيص: زينة حداد
ترجمة: سمير الحداد
موطني هو الصحراء أٌقيمُ فيها بالقرب من احدى الواحات حيث ترتفع في المشهد الصحراوي بضع أشجار نخيل ممشوقة وأنيقة، باسطة ظلَّها على التربة السمراء، وجذوعها المُستقيمة تنحني أحيانًا تحت تأثير الريح الشرسة التي تقسو على الأشجار وتدفعها على هواها.
أنا، حبّة الرمل، أقبع مُستريحة تحت ظلال أوراقها الخضراء، بالقرب من المياه التي تتمّري الشمس الحارقة على صفحتها، وتلفّني الحرارة بنيرانها وتجعلني شبه فاقدة للحياة، مُلقاة هناك بلا حراك على الرمال المُحرقة.
وفجأة تهبُّ موجة من الرمال وترتفع دوامة، وفي غمرة ذلك تدخل حبّة رملٍ مُتناهية في الصغر في عيني وتزعج صحة نظري. وأحاول أن أفرك عيني محاولة أخراجها دون جدوى.
وفجأة تتبدل الأدوار، وعلى الرغم من صغرِ حبّة الرمل التي دخلت في عيني، صرت أرى نفسي أنني أنا في داخلها، مُندمجةً فيها فبتنًا نشكِّل كلانا كائنًا واحدًا.
ذُهلت لهذه الظاهرة فلا مجال لمقارنة نفسي بحبَّة الرمل الصغيرة هذه فحجمي أكبر بمليارات من المرات.
وبالرغم من ذلك أنا أقوم بزيارة هذه الحبة من الرمل، وهذا الجسم المُتناهي في الصغر. ومع ذلك فأنا أشعر كأنني عملاق قابع في عالمٍ مُتناهٍ في الصغر.
أنني لاأتساءل كيف أمكني الولوج إلى داخل حبَّة الرمل الصغيرة هذه! لكن هل في هذه الحياة جواب لكل سؤال؟ وبالرغم من حالتي هذه وأنا داخل هذه الكرة الصغيرة فأنا لا أشعر أبدًا أنني مُختلفة عن سابق عهدي.
حبَّة الرمل هي عالمٌ قائمٌ بذاته كعالمنا. هي شبيهة بأرضنا، فيها الجبال والوديان، فيها المُحيطات والبحار.
فيها المروج واللوحات الطبيعية التي لا حدَّ لها. كوكبٌ أرضيّ قائم بذاته بداخلها. شمسٌ لاهبة تنيرها. قمر ونجوم تضيء لياليها. مٌحيطات تباعد ما بين القارات فيها. ومركبات مُجنَّحة تسافر، تنقل الناس بين أطراف البلاد. سكانها يملكون آليات مُتطورة كآلياتنا.
ما هذا اللغز؟ عالم قائم بذاته داخل حبَّة من الرمل أوليست أرضنا حبة رمل بنظر الإله؟ هي ملك له ككثيرات غيرها. إنني أسجد وأخشع أمام هذه القدرة الإلهية.
كل حبَّة من الرمل هي عالم لله, كان منذ ابتداء الأزمنة وفيه ما لا عدّ له من النجوم.
أرضنا حبّة رمل في هذا الكون السرمدي. وبالنسبة لله، المُتناهي في الصغر يصبح الأكبر، والأكبر يغدو صغيرًا. جميع الكواكب يديرها سيدٌ واحد، وبأمرٍ منه تصبح نفس غاية في الصغر كحبَّة من الرمل لتعود فتصبح هائلة بالكبر والضخامة، كما الكوكب. إنه لغز منذ الأزل.
وأعود لنفسي فأراني ما زلت في ظلال نخلة، مُحاطة بكثبان ٍمن الرمل، وضفائر شعري مُغطاة بالشمس اللاهبة. أنا أفهم اذن أن الله هو لا متناهي اللامنتهى.