الدكتور مصطفى خالدي
طبيبٌ لبناني، من جراحي مستشفيات الجامعة الامريكية والمستشفيات الوطنية ببيروت.
أَسَّس عام 1948 "مدرسة التمريض الوطنية" في بيروت. من مؤلفاته: كتاب "الحمل والولادة"، وكتاب "التبشير والاستعمار في البلاد العربية" الذي اشترك في تأليفه مع الدكتور عمر فرُّوخ.
الرسالةُ الداهشية
سمعتُ كثيرُا عن الرسالة الداهشية في السنوات الأخيرة.
وكنتُ أتابع سيرها باهتمام وعناية وإعجابٍ ورعاية. ومما علمتُه أنها تعتبرُ سائر الأديان السماوية التي هي وحي السماء لأبناء الأرض. والداهشية، بتعاليمها الروحية، تقرب بين طبقات البشر ليُصبح العالم دينًا إنسانيًا واحدًا وإن اختلفت الأسماء، فالمصدرُ واحد، والينبوعُ واحد، وهو اللهّ! وهذا مطابق، كل المطابقة، لما ورَد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة وسائر الكُتب المنزلة المقدسة.
والذي أعدبني في الدكتور داهش – مؤسس الداهشية – أنه مخلصٌ لعقيدته وللإنسانية ولجميع الأديان الساوية، بجرأةٍ وصبرٍ عجيب.
والأغرب أن هذه الجُرأة وذلك الصبر قد بثهما في صدور جميع ـابعه المخلصين له، والمتفانين في حبهم له ولتعاليمه حتى الموت.
وعلى رغم الاضطهاد والعذاب، والنفي والتشريدن فقد بقي هذا الرجل العظيم يُبشر بهذه التعاليم إلى آخر نسمةٍ من حياته. وستنتشر رويدًا رويدًا بعد مماته...
وأنا أعتقد أن هذه التعاليم الشريفة إذا طبقت فكرًا وقولاً وعملاً، فإن الشرق يتحرر ولا ريب من عبوديَّة الغرب، وسيطرته المادية، وغطرستهن الاستعمارية.
إن للشرق رسالة روحية منذ الأزل. وما هذه الرسالة الخالدة إلا لتجمع شعوبه العديدة بوحدةٍ إنسانية كاملة. وهذا ما يتوق إليه كل مخلص ومحب للإنسانية التائهة في صحراء هذه الأرض الشقية، وهذا ما تدعو إليه الرسالة الداهشية بدون أن تجبر أحدًا على أن يترك دينه، بل بالعكس، توصيه بأن يحترم بقية الأديان، وأن يتمسك بأهداب دينهن على أن يتقيد بجوهره ولبابه عملاً لا قولاً. وقد قال السيد المسيح: "ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات بل من يعمل إرادة الله".
وفي القرآن الكريم آيات عديدة تبشر إلى أن مَن آمنوا بالله وبأنبيائه وباليوم الآخر وعملوا صالحًا فلهم أجرُهم عند ربهم ولا هم يحزنون.
ولقد عرفتُ فئةً كبيرة من الإخوان الداهشيين في لبنان، فلم أجد منهم إلا كل خلُقٍ كريم وإخلاص حقيقيٍّ لجميع الأديان السماويَّة، ومحبة للناس أجمعين. وهم أول الطليعة المباركة لحركةٍ روحانية دينية تجمعُ أشتات البشرية تحت سقفٍ واحد كما جمع نوح أبناءَه في سفينةٍ واحدةٍ هي سفينة الخلاص، فيشعر كلٌّ منهم أنهم إخوان وأعوان كما جاء في القرآن الكريم: "إنَّما المؤمنون إخوة)، وكما قال السيد المسيح "كلُّكم إخوة"، وكما جاء في الحديث الشريف: "الإنسان أخو الإنسان أحبَّ أم كرِه".
فمتى ثبتت هذه المبادئ الشريفة الروحانيَّة، ورسخت أركانها، ونُفِّذت في العام – وخصوصًا في بلادنا الشرقية – اقتبسها الغربُ عنا وطبقها عمليًّا؛ وعندئذٍ يسودُ التفاهم والوئام، وينتشرُ بين الأنام لواء المحبة والأُلفة والسلام.
رأس بيروت، كانون الثاني (يناير) 1948