أَيَا بَيْرُوت
قَمَرٌ يَضْوي فَوقَ سَمَاءك
تَحْجُبُهُ سُحُبٌ كِسـتَارٍ مِـنْ أَعْمـِدَةِ دُخَانٍ أبْيَضْ
يَتَصَاعَدْ مـِنْ فَوْقِ تِلَالِكْ
والْلَّوْنُ الْأَخْضَرَ يَبْدُوا كَالْعُتْمْ،
فَبَعْضُ الْنُورِ يَعْجَزُ أَنْ يُظْهِرَه
وَخَرِيِرُ اَلْمَاءِ يُوْقِعُ لَحْناً عَذْبَاً ،
فَيُبَدِدُ صَمْتَ الْوَادِي.
فَلِمَاذَا هَذَا اَلْحُزْنُ أَيَا بَيْرُوت؟
وَفِي أَحْضَانِكِ تَغْفُو أَحْلَامُ ورُود،
وَتَرَانِيمُ صَلَاة ، َوغُثَاءُ قَطِيعٍ مِنْ حِمْلَانْ
وَبَقَايَا أَعْمِدَةٍ مِنْ تَارِيخٍ تَحْرسُ أَبْوَابَكْ
وَتَغَارِيدُ بَلَابِلُ تَصْحُو عِنْدَ اَلْفَجْر
وَصَبَايَا يَحْمِلنَ جِرَارَ اَلْمَاءْ
وأَنَامِلُكِ يُخْضِبُهَا لَوْنُ الْطُهر
وَسَوَادٌ مِنْ حُزْنٍ تَحْمِلُهُ عُيُونْ ،
مَا أَجْمَلَ هَذَا اَلْكُحْل عَلَى هَدَبِّ عُيُونِكْ
بَيَرُوتْ ؛
كَيْفَ تَحَوَّلَ َفرَحُكِ حُزْنَاً ،
كَيْفَ تَوَارَى مَجْدُكِ ظُهْرَاً تَحْتَ اَلْشَْمس
وغابت كُلُ نُجُومِكْ ؟
كَيْفَ تَرَبَّعَ هذا الْجَهْلُ عَلَى ظَهْرِ اَلتَّارِيخِ ،
فَشَوَّهَ حُسْنَ صَفَاءِكْ ؟
بَيَرُوتْ ؛
أَيُّ إِلٰهٍ قَدْ سَخَطَ عَلَيّكِ ،
أَمْ أَيُّ رَسُولٍ قَدْ كَذَّبْتِ فَحَلَّ عَلَيْكِ عَذَابُكْ ؟
وَأَيُّ كِلَابٌ بَاتَتْ تَعْوِي بَيْنَ تِلَالِكْ ؟
وَأَيُّ ذِئَابٍ نَهَشَّتْ فِي الطُرُقَاتِ ثِيَابِكْ
بَيَرُوتْ ؛
يَغْمُرُنِي اَلْحُزْنُ وَ تَعْلُو فَوْقَ جَبِينِّي الْحَسْرَاتُ ؛
فَقَدْ كُنْتِ جَوَاهِرَ اَلْمَاسٍ فِي عِقْدٍ يَلْتّفُ عَلَى عُنْقِ الْبَحْرَ ،
وَكَانَ يَحُجُ إِلَيّكِ اَلْمَوْجُ فَيَلْثُمُ اَقْدَامَكِ ،
وَتَعْلُو فَوْقَكِ تِيجَانٌ مِنْ سُحُبٍ فِضّيَة .
وَخَصَائِلُ شَعْرَكِ كَانَتْ مِنْ أَرْزِ اَلَّربْ ؛!
كَلِمَاتٍ سَطَّرَهَا فَوْقَ تِلَالِكْ.
بَيَرُوتْ ؛
قَدْ كُنْتِ عَرُوُساً لِلْحُبِ !
هَيَّأَهَا مِنْ بِدْءِ الْخَلْقِ إِلٰهُكْ !
لِلْفَارِسِ لَمَّا يَأْتِي يَأْخُذُكِ فَوْقَ سَحَابٍ اَبْيَضْ ،
وَيَرْفَعُ مَجْدَّكِ فَوْقَ تُرَابِ اَلْاَرْض. …!
فَكَيْفَ تَمَنَّعْتِ عَلَى هَذَا اَلْحُبْ ؟
وفَكَيْفَ أَصَخْتِ اَلسَّمْعَ لِاَعْدَائِكْ ؟
وفَكَيْفَ قَسَوْتِ عَلَى مَنْ جَاءَكِ
يحمل باقات من وردٍ، ،
لَمْ يُزْرَعْ قَطّ عَلَى هَذِي اَلْأَرْضَ ؛
وَيَوَاقِيتُ ضِيَاءٍ تُبهِرُ مَنْ يَتَأَمَّلَهَا ،
ليُرَصِّعُهَا فَوْقَ جَبِينَكْ!
كَيْ ما يَطْغَى حُسْنُكِ وَبَهَاُءك
بَيَرُوتْ ؛
كَيْفَ جَفَْوتِ وَكَيْفَ قَسَوْتِ ؟
وَكَيْفَ خُدِعْتِ فَصَدَّقْتِ وُشَاةَ اَلْحَيْ ؟
وَكَيْفَ تَرَكْتِ اَلْعَاشِقَ يَرْحَلْ ! ،
مَكْسُوُرَ اَلْخَاطِرَ، مَكْلُُوماً مَحْزُوُنْ ؟
بَيَرُوتْ
لِمَاذَا اغْرَيْتِ بِهِ اَلْسُفَهَاءَ
وَحَرَّضْتِ عَلَيّهِ كِلَابِكْ ؟
وَنَادَيّتِ فِي اَلْأَسْوَاقِ عَلَيّهِ
بأَبْوَاقِ الْكَهَنَة ، َوأَيُ ضَلَالٍ
كَتَبَتْ اَقْلَاُمكْ ؟
بَيَرُوتْ
هَا قَدْ رَحَلَ اَلْعاَِشقُ ،
ها قد رَحَلَ اَْلُنوُرُ وَحَلَّ عَلَيّكِ ظَلَامُكْ !
هَا َقدْ خَيَّمَ شَبَحُ َاْلخَوْفَ ،
َواَلْتَفَّ عَلَى عُنْقَكِ حَبْلُ اَلْمَوْتَ ،
وَ قُرِعَتْ فِي اَلْطُُرقَاتِ طُبُوُلَ اَلْحَرْب ،
وَاضْحَى مَنْ كَانَ يُغَنِّيكِ قَصَائِدَ شِعْر،!
يُرَدِدُ بَيْنَ اَلْنَاسِ هِجَاءَكِ
بَيَرُوتْ
اَلْمَوْتُ اَلْاَسْوَدُ لَا زَالَ بِبَابِ اَلْدَارْ،!!
فَلَا تَعْتَِقدِي اَنْ سَيَزُوُلُ شَقَائُكْ
لَيْسَ امَامَكِ مَنْ يَرْفَعُ عَنْكِ الِإصْرَ،
وَ يَمْحُو مِنْ فَوْقِ جَبِيّنَكِ هَذَا اَلْقَهْرَ ،
لَيْسَ هُنَالِكَ مَنْ يملأ زيتاً قنديلك ،
لَيْسَ هُنَالِكَ مَنْ يَعْصُرُ كََرْمَكِ ،
اَوْ يَمْلَأَُ بِالْخَمْرِ جِرَارِكْ ،
لَيْسَ هُنَاكَ سِوَى اَلْجَدْبْ !!!،
فُُمحَالٌ اَنْ تُزْهِرَ بَعْدَ اَلْيَوْمَ ثِمَارِكْ ، !!
لَيْسَ أَمَامَكِ يَا بَيَرُوت سِوَى اَنْ تَعْتَذِرِي !
اَنْ تَعْتَذِرَ جِبَالُكِ ، اَنْهَارُكِ ، اَْشجَاُركِ،
اَنْ يَعْتَذِرَ ِرجَالُكِ وَ نِسَائُك حَتَّى أَطْفَالُكِ
اَنْ يَعْتَذِرَ اَلْكَهَنَةُ وَالْاَحْبَار!
اَنْ يَعْتَذِرَ اَلْشَّوْكُ مَعَ اَلْاَزْهَار!
اَنْ يَعْتَذِرَ اَلْاَشْرَارُ مَعَ اَلْاَخْيَار!
اَنْ يَعْتَذِرَ اَلْسَاسَةُ وَ اَلْقَادَةُ وَ اَلْتُجَّار !
اَنْ يَعْتَذِرَ إمَامُكِ عُذْرَاً !!
تَحْمِلُهُ فِي كُلِ الْدُنْيَا صُحُفُ اَْلاَخْبَار !
بَيَرُوتْ
اِعْتَذِّرِي يَاَ بَيَرُوتْ ، عَلَّ حَبِيّبُكِ يَغْفِرَ ذَنْبَكِ
عَلَّ غَرِيّمُكِ يَقْبَلُ عُذْرَكِ ،
عَلَّ الله يَرفَعَ عَنْكِ شَقاءَكِ فَيَرْجِعُ مَجْدُك !
فَلَيْسَ أَمَامَكِ إِلَا اَنْ تَعْتَذِّرِي !
فاعْتَذِّرِي يَا بَيَرُوتْ!
فَمَا لَمْ تَعْتَذِرِي ؛
فَاَلْقَاِدمُ لَا يَحْمِلُ غَيْرَ زَوَالِكْ.
*عبدالرحمن يماني