مفاهيم داهشيّة
ليس في التعاليم الداهشيّة ما يسمّى " بالأسرار " ولا بالباطنيّة ، وكلّ ما فيها يقبله المنطق السليم ، منطق الانسان المثقّف ثقافة شاملة تجمع بين الدين والفلسفة والعلوم ، بمختلف حقولها ، والمنفتح على الحقائق الجديدة التي تفاجىء العالم كلّ يوم .
الله
تؤمن الداهشيّة بأنّ الله هو القوّة الموجدة للكون ، معروفه ومجهوله ، وهو البداية والنهاية ، وسرّ الحياة ، وربّ الثواب والعقاب ، وأصل كلّ معرفة وقوّة ومحبّة . اليه يرفع الدكتور داهش والداهشيّون صلواتهم ، ومنه يطلبون الرحمة والمعونة ، وفيه يرون ابا عطوفا لهم وللبرايا كلّها .
أمّا الألوهيّة فيمتنع الداهشيّون عن البحث في ماهيّتها ، لأنّهم موقنون أنّها وراء متناول الادراك البشريّ ، ولا ينتج عن زيادة البحث فيها الاّ زيادة البلبلة الفكريّة .
عالم الأرواح
هذا العالم هو بداية الخلائق ونهايتها ، وهو العقل الالهيّ المدبّر للكون والضابط لنواميسه ؛ وهو أزليّ أبديّ ، خارج عن قيود المادّة الزمانيّة – المكانيّة ، قوامه السماوات وكائناته الأرواح القدسيّة ، أمّهات الكائنات كلّها ، وهي نقيّة ، مجيدة ، خالية من كلّ شائبة أو دنس أو أثر للمادّة . ولذا لا يدخل عالم الكمال هذا الاّ من بلغ الكمال الروحيّ .
من أجل ذلك ، تؤمن الداهشيّة بأنّ كلّ كائن يجب أن تكون غايته السعي ، بمختلف الطرق ، الى الارتقاء الروحيّ المستمرّ ، في سبيل التجرّد من جاذبيّة النزعات المادّيّة، لبلوغ العالم الروحيّ السماويّ حيث السعادة الحقيقيّة المُطلقة .
الحضارات الكونيّة أو النعيم والجحيم
تفرّق الداهشيّة بين السماءHeaven ( ذات الوجود الروحيّ البحت والعظمة الالهيّة والسعادة الروحيّة اللامتناهية ) والنعيم paradise المُشْتَمل على عوالم مادّيّة مجيدة تتمتّع بحضارات راقية جدّا ذات أديان وآداب وفنون وعلوم واختراعات لا يرقى اليها خيال البشر ، وذات غبطة عظيمة وهناء معنويّ ومادّيّ كبير .
والنعيم يضمّ بلايين النجوم والكواكب موزّعة على مئة وخمسين درجة روحيّة . أمّا الجحيم فيشتمل على عوالم مادّيّة تتقهقر فيها الحضارة ويعظمُ الجهل والغباء والعذاب المادّيّ والمعنويّ . وهو يضمّ بدوره بلايين الكواكب موزّعة على مئة وخمسين درجة روحيّة .
وتستوي الأرض على عتبة الجحيم الروحيّة .
وليس محتوما أن تكون الاقامة أبدّيّة ، لا في النعيم ولا في الجحيم . ففي كلّ منهما تعترض الكائن مغريات وتجارب تكون بنسبة رقيّه الروحيّ ، وتبعا للأنظمة الروحيّة التي يخضع لها عالمه . فاذا نجح في اجتياز التجارب والامتحانات ، يرتقي الى عالم ذي درجة روحيّة أرقى ، والاّ فانّه يعرّض نفسه للسقوط بنسبة أعماله وأفكاره ونزعاته .
الرُّوح والنفس
انّ السيّالات – سواء كانت في الانسان أم في غيره من الكائنات القاطنة في العوالم المادّيّة النعيميّة او الجحيميّة – هي غير الأرواح . فالأرواح كائنات الهيّة لا تخالط الأبدان ، ولا تشوبها أيّة كثافة مادّيّة ، لأن المادّة عرض نتج عن نقص ودنس طارئين ، بينما الأرواح موطنها عالم الكمال . وكلّ روح أمّ لسيّالات كثيرة انبثقت منها ، وهذه السيّالات كائنة في تجسّدات متفاوتة في درجات رقيّها الروحيّ ، ومنبثّة في عوالم مختلفة من النعيم والجحيم ، وهي ترتبط بأصلها الأمّ بوشائج اشعاعيّة غير منظورة .
قيمة الأعمال بنوعيّة دوافعها
انّ الأعمال الصالحة كالاحسان الى الفقراء ، ونشر الايمان بالله بين الناس ، والصلاة ، والصوم وغيرها ، جميعها من شأنها أن ترقيّ سيّالات الانسان اذا اقترنت بدوافع سامية . ولكن هذه الأعمال نفسها اذا كان الدافع اليها حبّ الظهور ونيل المجد الدنيويّ ، أو غير ذلك من الدوافع الخسيسة ، فانّها تفقد معناها السامي وجزاءها الروحيّ .
الرحمة والنّعمة
معاملة الله تعالى للبشر قاعدتها العامّة هي العدالة ، فما يزرعه الانسان ايّاه يحصد . ولكن السماوات رحيمة , ورحمتها لا نهائيّة . ولذا كان التقمّص للناس . وتتجلّى الرحمة الالهيّة بمظاهر كثيرة ، فقد تكون في تأجيل العقاب الخاطىء واتاحة فرصة التوبة أمامه ، أو بتلطيف العقاب بتوزيعه على أزمنة متعدّدة ، أو بابداله بأخر ، أو في غير ذلك . لكن الرحمة ، في رأي الداهشيّة ، لا تعني اطلاقا محو الخطيئة نهائيّا وازالة العقاب ، والاّ اختلّ ميزان العدالة الالهيّة . أمّا النعمة فهي مساعدة روحيّة خاصّة يمنحها المستحقّون فقط . ولا يكون الاستحقاق الاّ ببذل الانسان جهدا مميّزا لاصلاح نفسه وترقيتها بقيامه بأعمال ساميّة الأهداف ، أو بنزوع نفسه منزعا روحيّا طويل الأمد .
الموت والولادة
يحدث الموت للانسان عندما يغادره السيّال الحيويّ الأخير . لكنّ الموت ، في أغلب الأحيان ، يحصل بصورة تدريجيّة في سياق عمر الانسان . فكلّما غادره سيّال من سيّالاته ، تناقضت طاقته الجسديّة أو المعنويّة . ولحظة الموت يحدّدها النظام الالهيّ للانسان ، منذ ولادته ، بنسبة تقمّصاته السابقة ودرجة سيّالاته . لكنّ الانسان يمكنه أن يقدّم لحظة موته أو يؤخّرها ، بنسبة ما تكون أعماله الاراديّة الحرّة قد عملت، في خلال حياته الراهنة ، على انحطاط درجته الروحيّة أو رقيّها . وليس الموت فناء ، بل هو انتقال السيّالات من شكل الى آخر .
وعندما يتحرّر السيّال من قيود الجسد ، تحدث له يقظة روحيّة . يقول الدكتور داهش :" الموت يقظة فتّانة يحنّ اليها كلّ من صفت نفسه وسمت روحه ، ويخافها من كثفت افكاره وكثرت أوزاره ..."
وفي العوالم الأخرى ، خارج الأرض ، يختلف شكل حدوث الموت باختلاف الأنظمة التي في كلّ عالم . فقد يكون الموت اختفاء فوريّا لشكل الكائن ، أو تقلّصا تدريجيّا حتّى التلاشي ، أو غير ذلك .
أمّا الولادة ، فلا يولد انسان في الأرض ما لم يكن لأحد أبويه سيّال بدرجة الأرض ، أو سيّال يتاح له أن يهبط الى الأرض ، والاّ فالمولود لا يأتي .
أمّا في العوالم الأخرى غير الأرضيّة ، فتختلف كيفيّة الولادة باختلاف أنظمة العوالم الكونيّة ، شأنها شأن الموت . وقد تكون من التجسّد المفاجىء ، أو بطريقة القدوم من كوكب الى كوكب آخر ، أو غير ذلك .
حفظ الأشكال وتسجيل الأفكار وتصوير الأعمال
من الحقائق الداهشيّة أنّ كلّ كائن حيّ بل كلّ شيء يكون له نموذج يحفظ روحيّا في عوالم خاصّة ، بعد انطلاق سيّاله الحيويّ وزال شكله . كذلك يكون لكلّ عمل صورت، ولكلّ فكر أو رغبة أو حلم تسجيله ، جميعها تحفظ في تلك العوالم شهودا على حياة الكائن وسلوكه وأعماله ، بحيث لا يضيع شيء ممّا وجد ، مهما كان تافها .
الانسان والكون
تؤمن الداهشيّة بأنّ سيّالات البشر متحدّرة من الانسان الأوّل الذي سمّي آدم . وآدم ، قبل أن تجسّده المشيئة الالهيّة في الأرض ، كان مجموعة كبيرة من السيّالات الملائكيّة الكائنة في مختلف درجات النعيم . وبعد عصيان للأوامر الالهيّة اشتركت فيه هذه السيّالات ، حكم عليها بالهبوط الى الأرض مجتمعة في كيان بشريّ هو آدم . ومن سيّالات آدم كانت حوّاء ، ومن الاثنين تناسلت البشريّة الجديدة .....
ومن أجل دفع الحضارة الانسانيّة الى الأمام ، سمحت المشيئة الالهيّة لسيّالات الأنبياء والهُداة والحكماء والمُصلحين الحقيقيّين أن تعمل عملها الخيّر في الأرض ، ولكنّها سمحت أيضا لكائنات تنتمي الى عوالم أخرى أكثر رقيّا أن تزور الأرض من حين الى آخر ، وتسهم في تلقيح البشر بسيّالات تساعد على رقيّهم الحضاريّ عن طريق الاقتران ببعض بناتهم .
ومن هنا نشأت الأساطير الميثولوجيّة الأولى التي لا تخلو من نواة واقعيّة فسّرها البشر حسب قدراتهم العقليّة ، وأحاطوها بنسيج أخيلتهم .
وبعض الآثار الحضاريّة الكبرى التي ما تزال ماثلة للعيان في العالم ، منذ آلاف السنين ، هي من آثار تلك الزيارات الكونيّة ، ومنها هياكل بعلبك .
وفي العهد القديم من الكتاب المقدّس اشارات الى التدخل الكونيّ ، منها ما ورد في سفر التكوين ( 6:1-4)
عن أبناء الآلهة الذين اتّخذوا من بنات الناس نساء لهم ، ومن نسلهم كان الجبابرة والأبطال العظام في الأزمنة السحيقة . ومنها ما ورد في الفصل الأوّل من سفر حزقيال عن المركبة الفضائيّة العجيبة التي حطّت أمام النبيّ . وبرأي الداهشيّة أن من ظنّهما لوط ملاكين انّما هما رسولان أرسلهما حاكم أحد الكواكب الراقية في مركبة نوريّة ، وذلك بأمر الهيّ ، فدمّرا سدوم وعمورة بعدما تمادى سكّانهما في الرذائل ، ورفضوا كلّ انذار روحيّ .
في هذا الضوء ، لا بدّ للانسان العاقل من أن يفهم حقيقة منزلته بين الكائنات الكونيّة ، ويعدل عن الغرور والتألّه .
أدوار التكوين والرسالات الروحيّة
تؤمن الداهشيّة بأنّ الأرض مرّت في أدوار تكوينيّة كثيرة كانت الحياة تندثر فيها لتعود فتنتشر مجدّدا .هذه الأدوار التكوينيّة الحضاريّة تبلغ ، حسب الوحي الروحيّ الداهشيّ ، 760 دورا استغرقت عشرات الملايين من السنين ، وهي الأدوار التي سبقت دورنا التكوينيّ الحاليّ الذي بدأ بنوح .
كلّ دور ينتهي عادة بالوصول الى درجة عالية من التقدّم العلميّ والتكنولوجيّ ، وبظهور رسالة روحيّة جديدة تكون البداية لدور آخر . وآدم الذي يشير اليه سفر التكوين سبقته عشرات من تجسّداته في الأدوار التكوينيّة السابقة . والداهشيّون يؤمنون بأنّهم في ختام الدور الحاليّ ، وليس أدلّ على ذلك من تخزين أسلحة الابادة الشاملة .
الانسان والكائنات الأرضيّة
لكلّ كائن دوره الخاصّ في دورة الحياة الكونيّة ، فلم يخلق عبثا أيّ كائن مهما كان تافها في عين الانسان . ولئن كان الانسان يغتذي بكثير من الحيوان والنبات ، فانّ جراثيم كثيرة تغتذي منه ، وتتوالد على حسابه وهو حيّ ، وديدان الأرض تغتذي منه بعد موته .
وكتابات الدكتور داهش حافلة بمناجاته الأزهار والأشجار والأطيار وعناصر الطبيعة القويّة والجميلة . وهذه المناجات ليست من قبل المجاز والاستعارات الأدبيّة . انّها معايشة واقعيّة لتلك الكائنات والعناصر . فالداهشيّة تؤمن بأنّ الأطيار ومختلف أنواع النبات ، بصورة عامّة ، تتمتّع بسيّالات راقية قد تفوق ، أحيانا ، سيّالات البشر .