الصحافي وليد الحسيني
صحافيٌّ وإعلاميٌّ لبنانيٌّ خريج كلية الحقوق في "جامعة بيروت العربية". مارس الصحافة محررًا في جريدتي "النهار" و"الجريدة" اللبنانيتين، وجريدة "صوت الخليج" الكويتية. أسس جريدة "الكفاح العربي" في العام 1974، ومجلة "إستراتيجيا" العسكرية، ومجلة "فن" ومجلة "سامر" للأطفال. لكن المجلات توقفت عن الصدور، وبقيت "الكفاح العربي" التي ما زال يراسُ تحريرها إلى اليوم.
داهش...
أديبٌ لم يُنصِفْه الأُدباء
تحتفل الداهشية في هذا الحزيران بالمئوية الأولى لميلاد مؤسسها الدكتور داهش. مئ سنة كثيرةٌ على لغزٍ لا نجدُ تفسيرًا له.
فالرجل ما زال ظاهرةً حولها المريدون إلى حدِّ الإيمان بفكره ومعجزاته وما زالت الداهشية قائمة بشكلٍ ما في لبنان والمهجر. وما زالت ثمة دُورُ نشرِ مستمرة في طباعة كتبه وشِعره وأفكاره ومعاركه. وما زالت سيرتُه مصدرًا لكتابة الدراسات عنه، سواءٌ كمفكر أو شاعرٍ أو داعية ديني.
والمثيرُ في تاريخ هذا الرجل الذي لا يموت بسهولة لا ما يُروى عن معجزاته التي واجهتْ حملةٍ شرِسةً من السلطة في عهد بشاره الخوري، ومن عددٍ من صحف الخمسينيات في القرن الماضي. المثير كان بأتباعه الذين كانوا من المثقفين وأبناء العائلات. والإثارة هنا تمثلتْ في صلابة دفاعهم عن إيمانهم بهذا الرجل إلى درجةِ دخولهم السدن وتحملهم التعذيب، ليزدادوا بعد ذلك تمسكًا بداهشيتهم وإصرارًا على مواجهة الرئيس الخوري بإصدار 66 كتابًا أسود هاجموا فيها السلطة التي قمعت حركتهم الفكرية، وقدموا بنصوصها جملةً من الفضائح. وقد جُعِلت هذه المعركة المحتدمة بين الرئيس بشاره الخوري والداهشية إحدى العلامات التي يُذكر فيها تاريخُ أولِ رئيسٍ للجمهورية اللبنانية بعد الاستقلال.
ولولا أن الدكتور داهش لم يشغل الرأي العام بتأسيسه الداهشية لانشغل الرأيُ العام في تلك المرحلة وانشغل كتابها ونقادها بشعره ونثره وفكره.
ولو أخذنا شِعر داهش وفكره ونثره خارجَ إطار الداهشية كعقيدة، لأدهشنا ما في شِعره ونثره من إبداعٍ وصُورَ شعرية رائعة وأسلوب ممتع، وما في فكره من مضامين وجودية وطروحاتٍ فلسفية.
لقد طغى حضورهُ على راس الداهشية، كحركةٍ توجيهية، على حضوره كأديب ومفكَّر، فافتقد الأدب بذلك متابعةً لمثقفٍ ترك إنتاجًا كبيرًا يصلحُ للآن في أن يكون مثار جدلٍ ونقاشٍ عميقين يُنصفان موقع داهش الأدبي.
باختصار، إذا كان بعضُ تعاليم الداهشية ومعجزاتها مرفوضًا من كثيرين يرَونها لا تتلاءم مع تراثهم الفكري، ومتناقِضة مع معتقداتهم الدينية، فإن هذا الرفض يجبُ ألا ينسحبَ ظلمًا على إنتاجه الأدبي، ولا إنكاراً لإبداعاته الثقافية.
ولعلَّ ذكراه المئوية تكون مناسبةً جادةً لانفتاح النقاد والدراسيين على كتابات هذا الرجل وإصداراته... فأن تأتي متأخرًا أفضلُ من أن لا تأتي أبدًا.