يومُ مولدي
منذ ستين عامًا مضت
وفي مثل هذا اليوم ولدتني أمي.
في مثل هذا اليوم خرجتُ للوجود.
في مثل هذا اليوم أبصرتُ نور هذا العالم،
وشاهدتُ ظلام هذا الكون المُخيف.
ومضت الأيام تركض، فإذا بها تُصبح أسابيع،
ثم كوَّنتْ شهورًا فأعوامًا.
وإذا بي أشبُّ عن الطوق.
وما بلغتُ من العمر الثامنة ونيفًا.
حتى كان والدي يرقد رقاد الأبد.
ومكثتْ أثقالُ الحياة الباهظة على كتف أمي.
بعرق جبينها أطعمتني، وبأوجاع نفسها كستني.
ومرت الأعوام تباعًا، وأنا أُشاهدُ من خلالها وقائعَ مُرعبة:
فالغشُّ هو السائدُ بين العباد،
والكذبُ جلس على عرشه في البلاد،
والقويُّ يُحطِّمُ الضعيف،
والغنيُّ يدوسُ على عنق الفقير،
والفوضى ضاربة أطنابها في أرجاء الكرة الأرضية،
والحق للقوة الغاشمة، فهي الآمرة الناهية.
وشاهدت الجميع يتكالبون على المادة
كتكالب الضباع على الجيف النتنة،
يبيع كل منهم ضميره، ويُلحد شرفه
في سبيل حصوله على النضار،
مُلتحفًا، للوصول إليه، بكافة الأوزرا والأوضار.
وشاهدتُ الداعين إلى الفضيلة- إنما هم أول الفاسقين،
فذُعرت، وتملَّكني يأسٌ قاتلٌ وحزنٌ لا نهائي،
إذ عرفتُ أن عالم الفضيلة المثالي
لا يوجد في دنيانا الرهيبة الأحداث.
إن كرتنا الأرضية هي سجنٌ مُخيف
يحيا في أرجائه البشرُ مُرغمين،
وعوضًا عن تآخيهم تراهن يفتكون بعضهم ببعض،
ويقوضون قُراهم ويُردمون مُدُنهم،
فيسودُ الخراب العالم، وتعمُّ الفوضى، ويضطرب حبلُ الأمن.
ستّون عامًا تلاحقت، ومشاهد الرُّعب هذه تمثلُ أمام نظري،
لأن الشرَّ مزَّق الفضيلة، وانتصر عليها انتصاراً عظيمًا.
إنَّ من كُتِبَ عليه الشقاء، ومن سيذوق مُرَّ البلاء
هو من يولَد في هذا العالم الغائص بالتعاسة،
وهو من يزور كوكب البلايا،
ومن تُعشش في ربوعه الرزايا
فهل يأتي يوم تزول فيه هذه الشرور
فتعمُّ السعادة أرجاء هذا الكون المسعور؟
إن هذا الحلم جميل، إنها أمنيةٌ سماويَّة، بل رغبةٌ وهميَّة
لا ولن تحقِّقها الأيام.
فمرِّي يا أيام، والحقي بها أيتها الأعوام،
لأن نفسي قد تعبت من سيرها في عالم لا رحمة فيه،
وبتُّ أترقَّب اللحظة التي فيها يأمر الخالق فيدعوني إليه
ففي موتي فرحي، وبمغادرتي الدنيا ابتهاجي.
بروكسل – بلجيكا، أول حزيران 1972
الساعة الثامنة والنصف صباحًا