داهش يعود قريبا الى لبنان
أول رسالة يخطّها بعد ردّ جنسيّته
جريدة الأسواق 14/2/1953
هذه أول رسالة كتبها داهش الى أصدقائه في لبنان بعد اعادة الجنسية اللبنانية اليه وقد أعلن فيها عزمه على المجيء :
بغداد في 7 شباط 1953
تحية وسلام
وبعد ، فقد وصلتني برقيتكم المؤرخة في 6 شباط والتي تعلمونني فيها أن جنسيّتي التي هي حق صريح لي ولكل لبناني قد أعادتها الىّ حكومة الامير خالد شهاب .
وعليه آمل ان تبلّغوا شكري للصديق النبيل الامير خالد شهاب لاعادته العدل الى نصابه ، والحق السليب الى أربابه .
انّ الدستور اللبناني يكفل حق الحرية التامة لكل لبناني – ضمن القوانين التي تسري على الجميع سواسية – وأنا قد اغتصب الوصولي بشارة الخوري حقوقي التي يكفلها الدستور ، هذا الدستور الذي أقسم أنيحافظ عليه بصفته رئيسا للجمهورية – ولكنه حنث بيمينه الباطلة ، وحطّم بنود الدستور ، وداس على أشلائه الممزقة .
انّ الحريّة منحة سماوية يهبها الله لمخلوقاته ولا توجد أية قوّة أرضية تستطيع حجبها عن أي مخلوق : وان أعجب لأمر فعجبي هائل لوقوف الصحافة موقف اللامبالاة وعدم الاكتراث حول أمر نزع جنسيتي . مع ان واجب الصحفيين – والصحفيون أصحاب رسالة سامية – أن يدافعوا عن الحريات دفاعا جبارا ويزلزلون بأقلامهم النارية ارتكابات أي وصولي يبغي على الحرية ، ويكبلها بقيوده الاجرامية . وان صمتوا ولم ينافحوا عن العدالة الصريعة بأقدام الباطل ، والحرية المدوسة بسنابك البغي والعتيّ ، اذن فانّ سيف ديموقليس الذي يحمله الباغية المعتدي يكون أبدا مرهف الحدّين ومعلّقا فوق رؤوسهم لكي يهوي بأيّة لحظة يراها ذلك الجاني مهشّم القوانين ، والعابث بالحريات ، والمستهتر بالدساتير .
وثق بأنه لو حدث في اوروبا لاي فرد – كائنا من كان – ما حدث معي ، وهذا مستحيل حدوثه في البلاد الاوروبية ، قلت اذا وقع المستحيل واعتدى أي حاكم على جنسية أي فرد ، مهما صغر شأنه وضؤلت مكانته ، اذن لثار الشعب ثورة كاسحة ماحقة ساحقة ، ولسقطت الحكومة ، ولدكّ عرش المعتدي ولثلّ بغيه ، ولتحطّمت أريكته ، ولزجّ في أغوار السجن بعد محاكمة علنية وتشهير سافر تتناقل أنباءهما صحافة الدنيا بأسرها .
وها هو التاريخ يضمّ بين دفتيه أنباء الثورة الافرنسية التي دكّ فيها الشعب سجن ( الباستيل ) وحطم الملكية المعتدية على حقوق الشعب فاضمحلّت تلك الملكية ودكّت أركانها دكّا عاصفا حتى يوم يبعثون....
والآن ، آمل من أخي الاستاذ حليم ، بصفته وكيلا عني ، ان يبادر فيخرج لي تذكرة هوية لكي أستطيع العودة الى وطني الذي سلخني عنه الباغية المعتدي ، هذا المعتدي الذي شهّرت أنباء جريمته المروعة في الخافقين ، وتحدّثت عنا ألسنة الخلق فسلقته بألسنة حداد وفضحت جريمته وهتكت ستره ومزّقت سريرته ، فعرف الجميع من هو المجرم المرتكب ومن هو البريء .
وأكبر برهان ، وأثبت دليل على نعتي ايّاه ( بالمجرم الوصولي ...) هو تلك الثورة الشعبية اللبنانية الكاسحة التي انصبت على رأس ( بشارة الخوري ) وذلك لعظم ما ارتكبه من الشرور والمعاصي ضدّ الشعب اللبناني ، واغتصابه لثروة البلاد ، وامتصاصه لدماء الشعب ، واعتدائه على الأحرار الأنفار من أبنائه الأخيار الذين لا ولن يرضخوا لجرائمه المعروفة ، فنكّل بهم تنكيلا شائنا .
نعم ، لقد ثار الشعب عليه ثورته الكاسحة ، فاذا به بين غمضة عين وانتباهتها وقد دكّ عرشه وفقد الى الأبد أريكة حكمه ...وهكذا تم سقوطه بعدما خلعه الشعب وطرده ، فأصبح الوصولي أسطورة يتندّر الخلق بأخبار مساوئها التي لا يحصيها عدّ ...
واذ أودّعك وأترقّب هويّتي اللبنانية ، أقول حقّا لقد صدق الشاعر العربيّ القائل :
وما من يد الاّ يد الله فوقها وما ظالم الاّ ويبلى بأظلم
المخلص داهش
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة : حقيقة الأمر أنّ الدكتور داهش كان في بيروت ، وفي منزل آل الحدّاد الذي كان لا يبعد أكثر من 40 مترا عن القصر الجمهوري ، حيث كان يقيم الطاغية الباغية بشارة الخوري ، ولكن قصدا للتعمية ونظرا لظرف الدكتور داهش الخاص ورد في الرسائل أنها تصدر عن حلب أو بغداد الخ ..