أنا أؤمن بأنه توجـد عدالة سماويّة, وأن جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدنيا من مُنغصات انَّ هـو الاّ جـزاءٌ وفاق لِما أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور.ولهـذا يجب علينا أن نستقبلَ كلّ مـا يحـلّ بنـا من آلامِ الحياةِ ومآسيها غير مُتبرّمين ولا متذمّرين , بل قانعين بعدالةِ السماء ونُظمها السامية.

Highlighter
أحبُّ الكُتُبَ حبَّ السُكارى للخمر , لكنَّني كلَّما أزددتُ منها شرباً, زادتني صَحوا
ليس مّنْ يكتُبُ للهو كمَن يكتُبُ للحقيقة
الجمالُ والعفّــة فـردوسٌ سماويّ .
لا معنى لحياةِ ألأنسان اذا لم يقم بعملٍ انسانيٍّ جليل .
اعمل الخير , وأعضد المساكين , تحصل على السعادة .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقـوم بأعمالِ الخير نحـو ألأنسانيّة .
الموتُ يقظةٌ جميلة ينشُدها كل مَنْ صَفَتْ نفسه وطَهرت روحه , ويخافها كلّ من ثقُلت أفكاره وزادت أوزاره .
ان أجسامنا الماديّة ستمتدّ اليها يـد ألأقـدار فتحطِّمها , ثمّ تعمل فيها أنامل الدهـر فتتَّغير معالمها , وتجعلها مهزلةً مرذولة . أمّا ألأعمال الصالحة وألأتجاهات النبيلة السّامية , فهي هي التي يتنسَّم ملائكة اللّه عبيرها الخالد .
نأتي إلى هذا العالمِ باكين مُعولين، و نغادره باكين مُعولين! فواهً لك يا عالمَ البكاء والعويل!
جميعنا مُغترٌّ مخدوعٌ ببعضه البعض.
العدلُ كلمة خُرافية مُضحكة.
أمجادُ هذا العالم وهمٌ باطل، و لونٌ حائل، و ظلٌّ زائل.
لا باركَ الله في تلك الساعة التي فتحتُ فيها عينيّ فإذا بي في مكانٍ يطلقون عليه اسم العالم .
أنا غريبٌ في هذا العالم، و كم احنُّ إلى تلك الساعة التي اعود فيها إلى وطني الحقيقيّ.
الحياةُ سفينةٌ عظيمة رائعة تمخرُ في بحرٍ، ماؤه الآثام البشريَّة الطافحة، و امواجه شهواتهم البهيميَّة الطامحة، و شطآنه نهايتهم المؤلمة الصادعة.
كلّنا ذلك الذئبُ المُفترس , يردع غيره عن اتيانِ الموبقاتِ وهو زعيمها وحامل لوائها , المُقوّض لصروح الفضيلة , ورافع أساس بناءِ الرذيلة .
الحياةُ سلسلة اضطراباتٍ وأهوال , والمرءُ يتقلَّب في أعماقها , حتى يأتيه داعي الموت, فيذهب الى المجهولِ الرهيب , وهو يجهلُ موته , كما كان يجهلُ حياته .
من العارِ أن تموتَ قبل أن تقومَ بأعمالِ الخير نحو الانسانيّة .
المالُ ميزان الشرِّ في هذا العالم .
السعادةُ ليست في المال , ولكن في هدوءِ البال .
كلُّ شيءٍ عظيمٍ في النفسِ العظيمة , أمّا في النفسِ الحقيرة فكلُّ شيءٍ حقير .
الرُّوح نسمةٌ يُرسلها الخالق لخلائقه لأجل , ثم تعودُ اليه بعجل .
الرُّوح نفثةٌ الهيَّة تحتلُّ الخلائق , وكل منها للعودة الى خالقها تائق .
الرُّوح سرٌّ الهيٌّ موصَدْ لا يعرفه الاّ خالق الأرواح بارادته , فمنه أتتْ واليه تعود .
أنا أؤمن بأنه توجـد عدالةٌ سماويّة , وأنَّ جميع ما يُصيبنا في الحياةِ الدُّنيا من مُنغِّصاتٍ وأكدارٍ انَّ هـو الاَّ جـزاء وفاق لمِا أجترحناه في أدوارنا السابقة من آثـامٍ وشـرور . ولهـذا يجب علينا أن نستقبل كلَّ مـا يحـلُّ بنـا من آلام الحياة ومآسيها غير م
الحرّيةُ منحة من السماءِ لأبناءِ ألأرض .
الموتُ ملاكُ رحمةٍ سماويّ يعطف على البشر المُتألّمين , وبلمسةٍ سحريّة من أنامله اللطيفة يُنيلهم الهناء العلويّ .
ما أنقى من يتغلّب على ميولِ جسده الوضيع الفاني , ويتبع ما تُريده الرُّوح النقيّة .
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
الراحة التامّة مفقودة في هذا العالم , وكيفما بحثت عنها فأنت عائدٌ منها بصفقةِ الخاسر المَغبون .
ليس أللّــه مع الظالم بل مع الحقّ.
ان الصديق الحقيقي لا وجود له في هذا العالم الكاذب.
ما أكثر القائلين بالعطف على البائسين وغوث الملهوفين والحنو على القانطين , وما أقلَّ تنفيذهم القول.
يظنُّ بعض ألأنذال ألأدنياء أنّهم يُبيّضون صحائفهم بتسويدِ صحائف الأبرياء , غير عالمين بأنَّ الدوائر ستدور عليهم وتُشهّرهم.
ما أبعدَ الطريق التي قطعتها سفينتي دون أن تبلغَ مرفأ السَّلام ومحطَّ الأماني والأحلام .
رهبة المجهول شقاء للبشرِ الجاهلين للأسرارِ الروحيَّة , وسعادة للذين تكشّفت لهم الحقائق السماويَّة .
الموتُ نهاية كل حيّ , ولكنه فترة انتقال : امّا الى نعيم , وامّا الى جحيم .
الحياةُ خير معلِّمٍ ومُؤدِّب , وخيرَ واقٍ للمرءِ من الأنزلاقِ الى مهاوي الحضيض .
حين تشكُّ بأقربِ المُقرَّبين اليك تبدأ في فهمِ حقائق هذا الكون .
مَنْ يكون ذلك القدّيس الذي لم تخطرُ المرأة في باله ؟ لو وجدَ هذا لشبَّهته بالآلهة .
المرأة هي إله هذه الأرض الواسع السُّلطان. و هي تحملُ بيدها سيفاً قاطعاً لو حاولَ رجالُ الأرض قاطبةً انتزاعه منها لباؤوا بالفشلِ و الخذلان .

 

السيَّالات: مفهومُها، أَنواعُها، نشاطُها وتفاعلاتُها

في ضوءِ المفاهيم الداهشيَّة

بقلم الدكتور غازي براكْس

 

في ما تقدَّمَ من هذا البحث ("صوت داهش"، شتاء 2004) أَوضحتُ مدلولَ السيَّال وَفقَ التعاليم الداهشيَّة، وأَهمِّـيَّتَه في تفسير أَو تعليل كلِّ شيء أَو حدَثٍ أَو حالة، على الصعيد المادِّيّ أَو النفسيّ، سواءٌ أَكان في الإنسان أَم الأرض أم الكون كلِّه. وبيَّنتُ أَنَّه بالجوهرِ الروحيِّ الإشعاعيِّ الخفيِّ الكامنِ في كلِّ سيَّال يتواصلُ الكونُ كلُّه، بل العوالمُ "المادِّيـَّة" والعوالمُ الروحيَّة؛ ذلك بأَنَّ "المادَّة" نفسَها إنَّما هي صورةٌ اقتضَتها درجةُ السيَّال المُتشكِّل فيها. وقد أَخذَت جماعاتٌ من الفلاسفة والعلماء بهذه النظرةِ أو ما يُقاربُها.

وعلى صعيدِ الإنسان أَوضحتُ أَنَّ أَهمَّ سيَّالات النفس الواعية (العقل الواعي) هو السيَّال الرئيسيّ الذي يمدُّ الإنسانَ بالحياة ويمنحُه الطابعَ المُميَّز، وهو يضمُّ قوًى نـزوعيَّة مُختلفة، وقوًى إدراكيَّة ذاتَ استعداداتٍ ذهنيَّة ولُغويَّة وحسِّيَّة خارجيَّة وباطنيَّة، وإرادة. وتتفاوتُ درجاتُ الرُقيِّ بين سيَّالٍ رئيسيٍّ وآخَر.

 

في الحلقة التالية سأُتابعُ البحثَ في السيَّال الرئيسيّ مُبرِزًا أَهمِّـيَّةَ بعضِ السِّماتِ السيكولوجيَّة في تأكيدِ وجودِه كيانًا نفسيًّا مُستقلاًّ قبل احتلاله الجنين وبَثِّ الحياةِ فيه، ثمَّ تابعيَّةَ السيَّالات الرئيسيَّة بعضها لبعض، والفرقَ بين السيَّال الرئيسيّ في الرجل والسيَّال الرئيسيّ في المرأَة، وسببَ الاختلاف المورفولوجيّ بين البشر؛ بعدئذٍ أَتناولُ السيَّالاتِ الثانويَّة وبعضَ الخصائص المُميَّزة في الكيان النفسيِّ المُختلِط كالضمير والمواهب، وأُنهي هذه الحلقة بالمفهوم الداهشيّ للأَعمار والموت.

الدليلُ السيكولوجيّ والعلميّ

لوجود السيَّال الرئيسيّ قبل الولادة

جرى الاعتقادُ التقليديّ في الأديان الإبراهيميَّة (الموسويَّة والمسيحيَّة والإسلام) أَنَّ النفسَ تُخلَقُ مع ولادةِ الإنسان، فلا وجودَ لها قبل ولادتِه. لكنَّ هذا الاعتقادَ التقليديَّ غيرُ مَبنيّ على قاعدةٍ موحاةٍ واضحةٍ حاسمة، بل على العكس من ذلك، فإنَّ إشاراتٍ مُتعدِّدة في العهدِ القديم والعهدِ الجديد من الكتاب المُقدَّس كما في القرآن الكريم تدلُّ على وجود سيَّالات النفس قبل الولادة، وتُؤَكِّدُ مبدأَ التقمُّص. وبما أنّي عرضتُ لهذا الأمر في بحثٍ سابق ("صوت داهش"، آذار 1996)،[1]فإنيِّ أَكتفي، في هذا المقام، بإعطاء الدليل الفلسفيّ والعلميّ على أسبقيَّة وجود السيَّال الرئيسيّ الذي تقولُ به الداهشيَّة، وأُدلي، بعدئذٍ، بالأدلَّة الداهشيَّة.

إنَّ جماعةً من عُلماء النفس المُعاصرين مِمَّن تخطَّوا المذهبَ الفرويديّ والمذهبَ السلوكيَّ Behaviorism،[2]  وفي طليعتهم جايمس هيلمان J. Hillman،يرَون أَنَّ كثيرين من السيكولوجيِّين قد ذهبوا كلَّ مذهب في محاولاتهم لِفَهمِ قوى النفس حتَّى شطُّوا عن النهجِ المنطقيِّ السليم وجعلوا علمَ النفس دونما نفس. ولا يرى هيلمان سبيلاً للخروج من التخبُّط في التخمينات والتناقُض في الآراء بما يخصُّ طبيعةَ النفس ووجودَها إلاَّ في استخلاص النتائج العلميَّة من عشرات الدراسات التي أُجرِيَت على آلاف التوائم المُتماثلين Identical، كما على سِيَرِ المئات من المُتفوِّقين في كلِّ مجال. فهذه النتائج تُؤَكِّدُ أنَّ ثمَّةَ قوَّةً نفسيَّةً ديناميَّة (ذاتَ إدراكٍ واستعداداتٍ ونزعاتٍ وإرادة) تحتلُّ الجنينَ، وتُكيِّفُ شخصيَّتَه، وتطبعُه بطابعٍ مُميَّز، ولا علاقةَ لها بما ينتقلُ إليه من مُؤَثِّراتٍ وراثـيَّة عَبرَ الجينات، ولا بالتأثيرات البيئيَّة (تربويَّةً كانت أم ثقافيَّة أم غير ذلك) إلاَّ قليلاً.

هذه القوَّةُ النفسيَّة الديناميَّةالتي استـنـتجَها هيلمان بطريقةٍ منهجيَّةٍ من دراسات التوائم المُتماثلين وسِيَرِ المُتفوِّقين أَعاد العالِمُ فضلَ اكتشافِها إلى أَفلاطون الذي سبقَ الجميعَ إليها عن طريقِ النظرِ العقليِّ الفلسفيّ، ثمَّ إلى أَفلوطين الذي أَفاض في شرحِها.[3]ففي الفصل العاشر من "الجمهوريَّة" يتحدَّثُ تلميذُ سقراط العظيم بأُسلوبٍ قصَصيّ ميثولوجيّ عن قوَّةٍ نفسيَّة ديناميَّة دافعة تحملُ قدَرَ الإنسان الذي اختارَه بنفسِه نتيجةً لحياته السابقة وهو قدَرٌ محتومٌ عليه بضرورةِ استحقاقِه إيَّاه كما باختيارِه الطَّوعيِّ لوالدَيه المُقبلَين وللظروفِ الزمانيَّة والمكانيَّة التي سيعيشُ فيها.

يستخلصُ هيلمان، عالِمُ النفس البارز، من عشرات الدراسات التي وُضِعَت في أَربعمئة شخص من المُتفوِّقين في العلم أَو التكنولوجيا  أَو الأدب أو الفنّ أَو السياسة أو القيادة العسكريَّة إلخ أَنَّ 60 بالمئة منهم كانت طفولاتُهم بائسة في فترة الدراسة، حتَّى إنَّ كثيرين منهم تخلَّوا عن التلقُّنِ المدرسيّ ليُباشروا المُطالعة بأَنفسهم أَو لينصرفوا إلى حياةٍ عمليَّة ناحجة. من هؤلاء المُتفوِّقين توماس مانْ T. Mann ورابندرانات طاغور R. Tagore حائزا جائزة نوبل للآداب، وروبرت براونِنغ R. Browning الشاعر الإنكليزيُّ الشهير، والموسيقار النروجيّ البارز إدوارد غريغ E. Grieg، والمُخترعُ الكبير توماس إديسن T. Edison، وريتشارد فاينمان R. Feynman حائز جائزة نوبل في الفيزياء.

وهؤلاء المُتفوِّقون المقطوعة مواهبُهم عن التأثيرات الوراثيَّة والبيئيَّة إلاَّ قليلاً يُمكنُ أن يكونوا  عاديِّين في طفولاتهم أو صِباهم، كما يُمكنُ أَن يكونوا نوابغ. فمن الفئةِ الأُولى: المهاتما غانْدي M. Gandhi، والقائد الألمانيّ إروِن رومِل E. Rommel، ثعلبِ الصحراء،  وإليانور روزفلت E. Roosevelt، زوجة الرئيس فرانكلن روزفلت وسفيرةِ الولايات المُتَّحدة  إلى الأُممِ المُتَّحدة، والأَديب الفرنسيّ الكبير إميل زولا E. Zola (الذي كان يحصل على صِفر في وظائف الأدب الفرنسيّ المدرسيَّة). فهؤلاء جميعًا لم تبرز سِماتُ العبقريَّة في شخصيَّاتهم إلاَّ بعد تجاوزهم مرحلةَ الحداثة.[4]

أَمَّا الداخلون في الفئةِ الثانية (أي مَن تبرزُ فيهم موهبةٌ متفوِّقة باكرًا جدًّا لا يُمكنُ رَدُّها إلى مُكتسَباتٍ وراثيَّة أو بيئيَّة) فمن أَمثالهم: ابنُ سينا، وبليز باسكال B. Pascal، وأَنريكو فِرمي E. Fermi ، وتوماس إديسن T. Edison ، وجون واطسن J. Watson من العُلماء؛ وأُوغست كُونْت A. Comte ، وجون ستيوارت مِل J. S. Mill، وفولتير Voltaire من المُفكِّرين؛ والأُختَين شارلوت وإميلي برونتي C. & E Brontë ، وبابلو نيرودا P. Neruda، وألكسندر بوشكين A. Pushkin، وآرثور رامبو A. Rimbaud  من الأُدباء؛وبرنيني G. L. Bernini، ودورِر A. Durer، وجياكوميتي A. Giacometti، ومانتيغنا A. Mantegna من الفنَّانين؛ وشوبان F. Chopin، وليسْت F. Liszt، وموزار A. Mozart، وشتراوس R. Strauss من الموسيقيِّين...[5]

 

الأَدلَّة الداهشيَّة

إنَّ ما يذهبُ إليه هيلمان في كتابه "نظام رموز النفس" The Soul's Code (1996) أَكَّدَه مُؤَسِّسُ الداهشيَّة قبل ستّين سنة، وجعلَه من مُقوِّمات المبادئ التي بُنِيَت عليها تعاليمُه. فتلك القوَّةُ النفسيَّة الديناميَّة التي تحملُ بذورَ السِّمات الرئيسيَّة في شخصيَّة الإنسان ليست سوى سيَّاله الرئيسيّ الذي يمدُّه بالحياة عند ولادته، سواءٌ أَكان إنسانًا عاديًّا أم عبقريًّا؛ لكنَّ تلك القوَّة لا يتَّضحُ وجودُها المُستقلّ عن وجود السيَّالات الأُخرى المُكتسَبة عن طريق الوراثة إلاَّ في المُتفوِّقين، لأَنَّ العاديَّ يصعبُ أَن يُمَيَّزَ في سِماته النفسيَّة بين ما اكتسبَته شخصيَّتُه من سيَّالِه الرئيسيّ وما اكتسبَه من سيَّالاته الثانويَّةمثلما سيتَّضحُ لاحقًابواسطة والدَيه أو أجداده عَبرَ الجينات الوراثـيَّة أو ما اكتسبَه من خصائصَ نفسيَّة من بيئتِه التربويَّة والثقافيَّة.

وقد استخلصتُ من أحاديثي مع مُؤَسِّس الداهشيَّة أَنَّنا حتَّى لو جعلنا مُعجزات موسى النبيِّ جانبًا وكذلك مُعجزاتِ السيِّد المسيح، لَما تمكَّـنَّا من العثور على أَيِّ عاملٍ وراثيّ قريب أو عاملٍ ثقافيّ مُعاصر يُمكنُه أَن يُفسِّرَ الرسالتَين الروحيَّتَين اللتَين اضطلعا بهما. والأمرُ نفسُه يصحُّ على الرسول العربيِّ الكريم كما على سقراط وغاندي؛ الأمرُ الذي يُؤَكِّدُ أَنَّ مَن نفحَ هؤلاء بكياناتهم النفسيَّة المُميَّزة لم يكُن آباءَهم ولا أُمَّهاتِهم، ولا البيئاتِ المناقِضة لِمُثُلِهم العُليا، ولا الثقافات المادِّيـَّة المُعاكسة لقِيَمِهم الروحيَّة والمُسيطرة على مُعاصريهم، بل سيَّالاتٌ عُلويَّةٌ مُتفوِّقة ليست من الأرض. وأَنا أَزيدُ إنَّ ما ينطبقُ عليهم ينطبقُ على مُؤَسِّسِ الداهشيَّة الذي لم يعرف من الدراسة النظاميَّة سوى ستَّة أَشهر، ومع ذلك كتبَ ما يُربي على مئة كتابٍ مُلهَم ، وقدَّمَ إلى العالَم رسالةً روحيَّة تجمعُ بين الأديان، وتُنادي بالحرِّيـَّة والعدالة والإخاء بين بني الإنسان، وتوضِّحُ ما غمضَ من الكتُبِ المقدَّسة، وتستبقُ العلومَ في كشفِها عن حقائقَ خطيرة في الوجودِ وما وراءَه؛ وإلى ذلك عانى الأَمرَّين من أجل رسالتِه، فاضطُهِدَ وشُرِّدَ، لكنَّه عاد بالنصرِ المُؤزَّر وأطاحَ بكرسيِّ الرئيس الطاغية الذي اضطهدَه وجعلَ لبنان مزرعةً لعائلتِه كلُّ ذلك وهو لم يشهر سيفًا إلاَّ سيفَ الحقِّ والفضيلة.

وكم من عبقريٍّ، في سياق العصور، واجهَ الطُّغاةَ، دُنيَويِّين كانوا أَم دينيِّين، بشجاعةٍ وصبرٍ وثبات، من أَجلِ تغيير أوضاع الإنسان، وتحريرِه من أَوهامِه وخُرافاتِه وانحرافاتِه وضلالاتِه! وجهادُهم الذي دفعَ الحضارةَ إلى الأمام إنَّما يدلُّ على أَنَّ كثيرين منهم كانت سيَّالاتُهم الرئيسيَّة غير أَرضيَّة. فقد هبطَت إلى دُنيا البشر، في أَزمنةٍ مُتفاوتة، لتُؤَدِّيَ رسالاتٍ أَدبيَّة أَو فنِّـيَّة أو علميَّة أَو إصلاحيَّة معيَّنة، وربَّما رسالاتٍ تأديبيَّة أَحيانًا... فتُساعدَ الأَنبياءَ والمُرسَلين في جهودِهم الهادفة إلى ترقيةِ البشر.[6]لكنَّ هذا لا يعني أَنَّ السيّالات الرئيسيَّة الهابطة من عوالِمَ عُلويَّة يجبُ  أن تُؤدِّيَ حُكمًا مَهمَّاتٍ سامية مُميَّزة، فلإرادة الإنسان دورٌ بالغُ الخطورة في المُحافظة على رُقيِّ سيَّالاته أو على تسفيلِها. وقد عرفتُ من الدكتور داهش أنَّ كثيرين مِمَّن كانت سيَّالاتُهم الرئيسيَّة هابطة من عوالِمَ عُلويَّة سفَّلوا تلك السيَّالات باستسلامهم للشهواتِ والنـزعاتِ الدُّنيويَّة، وبينهم أُدباء وشعراء وتلاميذُ أَنبياء.

وإن كان أَفلاطون قد لجأَ إلى القَصَصِ الميثولوجيّ لإيضاح نظرتِه في هذا الأمر الخطير، ثمَّ أَكَّدَ بعضُ علماء السيكولوجيا نظرتَه، فإنَّ مُؤَسِّسَ الداهشيَّة أَثبتَ هذه الحقيقة بالقَصَصِ المُلهَم أَو الموحى كما بالخوارق المحسوسة المُعايَنة.

ففي "سرُّ سلَّةِ القصَب" وردَ على لسان سيّالٍ تابع لروحٍ ملائكيّ: "موسى النبيّ عرفتُه قبل مولدِه. فروحُه النقيَّة، قبل أَن تتجسَّدَ في هذا العالَم، كانت تُسبِّحُ الله في الملإ الأَعلى."[7]  وفي "مُذكَّرات يسوع الناصريّ" جاء على لسان يسوع الفتى: "لقد أَمرَني أَبي أَن أَهبطَ إلى هذا العالَمِ الجاحِد؛ ففعلتُ."[8]وفي قصَّة "الحلمُ الهابط إلى أرض البشر" نتذكَّرُ القصَصَ الميثولوجيّ الأفلاطونيّ عن هذا الموضوع. فالملاك قال لأحلام الكائنة في عالَمٍ عُلويّ إنَّ المشيئةَ الإلهيَّةَ قضَت بأن تهبطَ في الشرق، وأنَّ لها أن تختارَ العائلة التي تودُّ الانتسابَ إليها. ومنحَها قدرةً روحيَّة لتتمكَّنَ من الاختيار. وفجأةً بدأ يسري سيَّالُها في مدُنِ الشرقِ كافَّةً، ويتغلغل في نفوس سكَّانها، ويختبر نزعاتهم ومطامحهم، حتَّى استقرَّ أخيرًا في مدينة القُدس. فاختار عائلةً ساكنة فيها. وأعلمَت أحلام الملاك باختيارها. "وفي اللحظةِ نفسها وُلِدَت أحلام وهي تصرخُ الصرخةَ المعروفة التي يُطلقُها كلّ مولود على الأرض."[9]

وبين خوارق الدكتور داهش المُذهِلة خارقةُ تجسُّد حدثَت عام 1943 أمام عدَّةِ أَشخاصٍ معروفين بثقافتهم وذكائهم، بينهم الأَديبة والفنَّانة المرموقة ماري حدَّاد، ونِطاسيُّ الأمراض الجلديَّة الشهير الدكتور جورج خبصا، والمُحامي البارز (وزير التربية اللبنانيَّة فيما بعد)، الأستاذ إدوار نون. فبينما كانوا يحضرون جلسةً روحيَّة عقدَها الدكتور داهش، إذا بغادة حسناء تتجسَّدُ أمام عيونهم تحت النور الساطع، فيظنُّون في الوهلةِ الأُولى أَنّهم يتوهَّمون. وما بارحَهم تشكيكُهم إلاَّ بعد أن تلمَّسوها وسمعوها تقولُ لهم: "لا تظنُّوا أَنَّكم واهمون، فما ترَون هو حقيقة أَكيدة. إسمي ندى، وقد أَتيتُ من عالَمٍ مادّيّ آخَر إليكم."

                بعد تسعةَ عشرَ عامًا زارت الغادةُ منزلَ الرسالة، قبل تعرُّفي إلى مُؤسِّس الداهشيَّة بحوالى سنةٍ واحدة، فأخبرَني الشهودُ الثلاثة الذين ذكرتُ أسماءَهم آنِفًا بهذه الخارقة. والجديرُ بالذكر أنَّ الفتاةَ، يومَ تجسَّدت، كانت بالعُمرِ نفسِه حين قامت بزيارتها، وكانت تلبسُ الفستانَ نفسَه وتحملُ الحقيبةَ عينَها ولم يكونا من الزيِّ الدارج عام 1943ـ أَي سُمِحَ لها بأَن تتجسَّدَ في الجلسة الروحيَّة قُبَيلَ احتلال سيَّالها الرئيسيّ للجنين الذي تكوَّن، وبالتالي لولادتها. أمَّا أُسرتُها فمن الأُسَر الوجيهة، وقد فضَّلَت أن تبقى مكتومة نظرًا لظروف البيئة. فهذه الخارقة برهانٌ حاسِم على وجود الكيان النفسيّ الرئيسيّ (أَي السيَّال الرئيسيّ) لكلِّ إنسان قبل ولادته.[10]

هذا يتعلَّقُ بانتقال سيَّالٍ رئيسيّ من عالَمٍ إلى آخَر. لكنْ من ناحيةٍ أُخرى، قد يكون السيَّالُ الرئيسيّ (قبل احتلاله الجنين وبَثِّ الحياة فيه) كائنًا في الأرض، في إنسانٍ لفظَ نفَسَه الأَخير، أو انتقلَ من حيوانٍ أو طائرٍ قضى، أو ربَّما من شجرةٍ قُطِعَت أو غير شيء... فالاحتمالاتُ غيرُ محدودة ولا يعلمُها إلاَّ الله عَزَّ وجَلّ. وهذا النمطُ من الولادات هو الغالبُ، لأنَّ الأكثريَّةَ العُظمى من البشر عاديُّون، أي إنَّ سيَّالاتهم ما تزالُ بدرجة الأرض الروحيَّة؛ ذلك مع العِلم بأنَّ القانونَ الروحيَّ يبقى نفسَه من حيثُ التَّبَعيَّة، فلا يدخلُ أيُّ سيَّالٍ رئيسيّ جنينًا ما لم يكُن تابعًا للأب أو للأُمّ.

عام 1970 كنتُ ما أزالُ أَعملُ على أُطروحتي السيكولوجيَّة لشخصيَّة جبران خليل جبران وأدبه وفنِّه. وقد مرَّ معي أنَّه كان يعتقد أنَّه تقمُّص لدانتي غبريال روزيتّي D. G. Rossetti (1828-1882) وأنَّ روزيتّي تقمُّصٌ لوليام بلايك W.  Blakeالذي تُوفِّي عام 1827. وقد عزَّزَ اقتناعَه بهذا الأمر أنَّ الثلاثة يتعاطَون الشعرَ والرسم، ويتشاركون في عناصرَ وجدانيَّة وفنّـيَّةكثيرة، فضلاً عن أنَّ ولادةَ كلٍّ منهم عقبَت وفاةَ الآخر بحوالى تسعة أَشهر. ففاتحتُ مُؤسِّسَ الداهشيَّة بهذا الأمر؛ فأكَّدَ لي أنَّه صحيح. فأدخلتُه في مُلحقٍ درستُ فيه جبران دراسةً نفسيَّة في ضوء المبادئ الداهشيَّة.[11]

 

السيَّالاتُ الرئيسيَّة وتابعيَّةُ بعضها لبعض

ولكنْ إلى مَن كان تابعًا سيّالُ روزيتّي في جبران؟ أَإلى والد جبران أَم والدته؟ من غير شكّ، لوالدته. وهذا يُفسِّرُ تعلُّقَه بها تعلُّقًا شكَّلَ مِحورًا نفسيًّا ديناميًّا رئيسًا في حياته وأدبِه ورسمِه.[12]فمَيلُ الإنسان إلى أحد والدَيه أكثرَ مِمَّا إلى الآخَر هو الذي يدلُّ على تابعيَّة السيَّال. كذلك حينما يُبدي الأبُ نحو ولدٍ أو أكثر ميلاً أَقوى مِمَّا تُبديه الأُمّ، فذلك دلالةٌ على أَصل السيَّال، والعكسُ بالعكس.

واشتراكُ أكثر من أَخٍ أَو أُخت في تابعيَّة سيَّالاتهم الرئيسيَّة للأَب أَو للأُمّ يجعلُهم يميلون عاطفيًّا بعضهم إلى بعض أكثر من مَيلِهم  لأشقَّائهم أو شقيقاتهم الذين لا يُشاركونهم في تلك التابعيَّة.

على صعيدٍ آخَر، سأَلتُ مُؤَسِّسَ الداهشيَّة مرَّةً: هل كان مُمكنًا أَن تولَدَ في غير زمان أَو مكان؟

فأَجابني ما فحواه: لا، فولادتي في القُدس، ثمَّ نقلي إلى لبنان في طفولتي، ونشري الرسالةَ الداهشيَّة فيه كلُّ ذلك حدَّدَه قدَري الشخصيّ؛ وقدَري الشخصيّ حدَّدته تقمُّصاتي السابقة وسيَّالاتي.

فسأَلتُه: تُرى، لو لم نولَد نحن، تلاميذكَ الداهشيِّين، في هذا الزمان وهذا البلَد، أَكان يُمكنُ أَن يولَدَ غيرُنا لمُؤازرتِكَ؟

فأَجاب ما فحواه: ليس من شيءٍ عسيرٍ على الله، فهو تعالى كُلِّـيُّ القدرة. لكنْ أَما قال السيِّدُ المسيحُ لتلاميذه: "أَنا الكرمةُ وأَنتم الأغصان"؟... فالكرمةُ إذْ تنمو، تنمو وأَغصانُها معها، فهي تابعة لها. وهكذا فأنتم تابعون لي، لأنَّكم فيَّ. أَمَّا الذين يسقطون فيكونون أَشبهَ بالأغصان أَو العساليج التي تيبس بفِعل عدَم سَرَيان نسغ الحياة فيها؛ فإنَّها تنقصفُ وتسقطُ من الشجرة.

فسألتُه هل هذا ينطبقُ على أصحاب الهدايات الروحيَّة فقط أم إنَّه حقيقةٌ عامَّة؟

فأَجاب بما يُمكنُ إيجازُه: إنَّها حقيقةٌ عامَّة. فالذين آزروا الإسكندرَ الأَكبر من المُقرَّبين إليه كانت أَقدارُهم الشخصيَّة تُعِدُّهم ليولَدوا في بلدِه وزمانِه. وهكذا المثَلُ في مَن عاضَدوا نابوليون أو واشنطن أو لنكولن أَو هتلر وكانوا مُقرَّبين إليهم؛ والمثَلُ في مَن آزروا جمال عبد الناصر وكانوا مُقرَّبين إليه، لأنَّهم هم أنفسُهم كانوا مُقرَّبين إلى صلاح الدين الأَيُّوبيّ الذي انتقلَ سيَّالُه الرئيسيّ إلى عبد الناصر. كذلك في الأُسرة العاديَّة تكون السيّالات الرئيسيَّة في الأولاد تابعة إمَّا للأب أو للأُمّ، وقد تمتدُّ هذه التابعيَّة في العشيرة إلى الأحفاد وربَّما أحفاد الأحفاد إذا كانت التابعيَّة سائرة في خطٍّ مُستقيم. ولكنَّ هذه التابعيَّة لا تعني، في أَيِّ حال، أنَّ االسيَّالَ الرئيسيَّ التابع هو أَضعفُ من المتبوع أو أقلُّ درجةً روحيَّةً منه. فما يحصلُ بين الأنبياء والمُرسَلين وأَتباعهم هو شذوذٌ عن القاعدة، لأنَّ ترتيبَه الروحيَّ من عند الله وليس من عند البشر.

 

الاختلافُ المورفولوجيّ بين البشر

والاختلافُ بين الرجلِ والمرأَة

وقد استخلصتُ من مُحادثاتي مع مُؤسِّس الداهشيَّة، كما من بعض النصوص الروحيَّة الموحاة، أَنَّ البشرَ الحديثين جميعًا يتحدَّرون من آدَم وحواَّء معًا مثلما تنصُّ التوراةُ عليه. لكنَّ رجالَ الدين وقعوا في أخطاء فاضحة أَطلقَت النـزاعَ بين "حقائق" الدين و"وقائع" العلم؛ وهذه الأخطاءُ ناجمة عن تشبُّثِهم بالنصِّ الحرفيِّ للكُتُب المقدَّسة وحسابِهم أَعمارَ الآباء الأَوائل المذكورين في سِفر التكوين بين آدَم ونوح ثمَّ بين نوح والسيِّد المسيح من غير الأَخذ بالحسبان أَنَّ الكتَبةَ والناقلين قد يكونون أَسقطوا أسماء كثيرة عن عَمدٍ أَو عن غير عَمد. وهذا ما قلَّصَ الزمنَ منذ خَلق آدم. فإذا برجال الدين يتشبَّثون بأنَّ الحقبةَ التي تفصلُ آدمَ عن السيِّد المسيح هي حوالى أربعة آلاف سنة، وأنَّ الطوفانَ حدثَ قبل المسيح بحوالى ثلاثة آلاف سنة. وهذا الأمرُ هو الذي نقضَه العِلم، استنادًا للآثار المُكتشَفة. أَمَّا الحقيقة الداهشيَّة فهي أنَّ آدمَ تُوفِّيَ في الأَلف الثامن قبل المسيح، بعد أن عاش حوالى أَلفَين من السنين. والطوفان حدثَ في الألف السادس قبل المسيح؛ وقد رجَّحَ التنقيبُ العلميُّ مُؤَخَّرًا زمانَ حدوث الطوفان وأعادَه إلى حوالى 5600 سنة قبل المسيح.[13]وهذا يُؤَكِّدُ ما أَعلنَته الداهشيَّة قبل أكثر من نصف قرن. لكنَّ آدمَ هذا هو أَبو التكوين الذي ينتمي إليه الإنسانُ الحديث، أي البشرُ المُعاصرون والتاريخيُّون جميعًا. وقد سبقَه 759 تكوينًا، كلٌّ منها انتهى بدمارٍ وفناءٍ شبه شامل بعد تطوُّر وتقدُّم علميّ بارز وصلَت إليه حضاراتُ البشر الأَقدمين على امتداد ملايين السنين. ومن الطبيعيّ أن تبقى آثارٌ من حضاراتٍ سبقَت آدم.

أَمَّا الاختلافُ المورفولوجيّ فلا يعود إلى اختلاف البيئات التي عاشَ فيها البشر، مثلما يُظَنّ؛ فقد تُؤَثِّرُ البيئة تأثيرًا محدودًا في لون البشَرة، لكنَّها لا تُؤَثِّرُ في مورفولوجيا الإنسان (أي شكل رأسه وأعضائه). فالاختلافُ المورفولوجيّ بين البشر يعود إلى سببَين، وَفقَ ما عرفتُ من مُؤَسِّس الداهشيَّة: أوَّلاً، انحدارُ سيَّالات البشر من سيَّالاتٍ كانت في آدم وحوَّاء تنتمي لعوالمَ مُختلفة قبل هبوطِها في آدم. فالاختلافُ المورفولوجيّ في البشر الحديثين هو تابعٌ لاختلافٍ كان في مواطن السيَّالات الأَصليَّة. ثانيًا، تلقيحُ إناثٍ من الأرض من قِبَلِ رجالٍ هبطوا إلى الأرض في مركباتٍ فضائيَّة من عوالِمَ أكثر تقدُّمًا لكن قريبة من الأرض بدرجاتها الروحيَّة، وذلك في أزمنةٍ سحيقة بعد خَلق آدم الأَخير، الأمر الذي تركَ أَثرَه المورفولوجيّ في السُّلالات المُلقَّحة.[14]

أَمَّا الاختلافُ بين الرجُل والمرأَة في البنية وبعض الخصائص النفسيَّة فيعود، تبَعًا للتعاليم الداهشيَّة، إلى أنَّ سيَّالَ المرأة الرئيسيّ هو نصفُ سيَّال الرجُل. وهذا هو السببُ المباشر في اختلاف بِنيتها الأُنثَويَّة عن بنية الرجُل. وهذا الاختلاف لم ينتج عن تطوُّرٍ طبيعيّ للحفاظ على الجنس، مثلما يذهبُ أكثرُ الباحثين، بل عن خُطَّةٍ إلهيَّة تهدفُ، أَصلاً، إلى وَضعِ آدم وحوَّاء في الفردوس الأرضيّ أمام تجربة شديدة الإغراء: إمَّا الانصياع إلى أَوامر الله، وإمَّا الانجراف بتضليل الوساوس الشيطانيَّة. والانتصارُ على التجربة كان من شأنه أن يعودَ بسيَّالات آدم وحوَّاء إلى العوالمِ العُلويَّة التي هبطَت منها، بعد زمنٍ معيَّن يُقضِّيانه في الفردوس؛ في حين أنَّ الهزيمةَ أمام التجربة من شأنها أن تهبطَ بهما ثانيةً وتودي بهما إلى الشقاء والعذاب. وهذا ما صارا إليه فِعلاً، إذْ هبَطا إلى مُستوى البشر الذين كانوا في الأرض عند خَلقهما، وحقَّت عليهما سُنَّةُ التناسُل الأرضيَّة.

والجديرُ بالذكر أنَّ علماءَ الوراثة، بعد أن استمرُّوا طويلاً ينفون وجودَ أيِّ اختلاف بين جينات الرجل وجينات المرأَة،  توصَّلوا، مُؤَخَّرًا، إلى اكتشافِ أَنَّ الاختلافَ بين جينات الاثنَين يتراوحُ بين 1 و2 بالمئة من المجموع، وهي نسبة خطيرة.[15]

لكنَّ كَونَ السيَّال الرئيسيّ في المرأة نصفَ سيَّال الرجُل لا يعني، في أَيِّ حال، أَنَّها دونه ذكاءً أَو مرتبة. فكم من عالمةٍ وأديبة وحاكمة بَرزنَ في سياق العصور. وسببُ ذلك أنَّ السيَّالات تختلفُ بسُموِّها الروحيّ (رُقيِّ إدراكها ونزعاتها). فنصفُ سيَّالٍ سامٍ، مُتفوِّقٍ في إدراكه ونزعاته، خيرٌ من أَلفِ أَلفِ سيّالٍ غبيّ وسافل. ذلك فضلاً عن أنَّ كلَّ إنسان لا يتأَلَّفُ كيانُه النفسيّ من السيَّال الرئيسيّ فحسب، بل فيه أيضًا مجموعةٌ كبيرة من السيَّالات الثانويَّة التي تدخلُ الجنينَ عن طريق الجينات التي يرثُها من والدَيه. وسأتحدَّثُ عن  هذا الأَمر عمَّا قليل.

 

السيَّالاتُ الطارئة

ذلك فضلاً عن أنَّه قد تدخلُ الإنسانَ، بعد ولادته، سيَّالاتٌ طارئة في أَيَّة مرحلة من مراحل حياته، وذلك بطريقةٍ روحيَّة لا علاقةَ لها بالوراثة الطبيعيَّة. فقد عرفتُ من مُؤسِّسِ الداهشيَّة، مثلاً،  أنَّ البطلةَ الداهشيَّة ماري حدَّاد دخلَها سيَّالٌ من المُفكِّر الفرنسيّ الكبير فولتير، وسيَّالٌ آخَر من ليوناردو دافنشي، الأَمرُ الذي عزَّزَ قوَّةَ الفكرِ والنقدِ والجرأَة عندها وروعةَ الرسم.  كما عرفتُ أَنَّ كثيرين من النساء والرجال مِمَّن حضروا الجلساتِ الروحيَّة التي كان يعقدُها الدكتور داهش،  كانت تُداخلُهم سيَّالاتٌ روحيَّةٌ عُلويَّةٌ جديدة بقوَّة الأرواح القدُّوس التي كانت تتجلَّى في الجلسات. وسبقَ أن أشرتُ في الحلقةِ الأُولى إلى أَنَّني تلقَّيتُ ستَّةَ سيَّالاتٍ روحيَّة دفعةً واحدة بصورة أشعَّةٍ تغلغلَت في جسمي، بعد ثلاثة أشهرٍ من تعرُّفي إلى رجل الروح والمُعجزات، وذلك بقوَّة روحٍ ملائكيّ، كما تلقَّيتُ عددًا كبيرًا منها في مراحلَ وظروفٍ مختلفة فيما بعد.

وجديرٌ بالذكر أنَّ حلولَ سيَّالاتٍ طارئة في بعض البشر في مراحلَ مختلفة من أعمارهم غيرُ نادر. وهذا ما يُفسِّرُ البروزَ المُفاجئ لموهبةٍ ما عند إنسان. لكنَّ بعضَ الموهوبين قد يُعطَون زيادةً تطبيقًا لقول السيِّد المسيح: "مَن له يُعطى وُيزاد." مثالاً على ذلك، عرفتُ أنَّ ثلاثةَ سيَّالات تابعة للمسيح دخلَت جبران خليل جبران لعلاقتها بسيَّاله الرئيسيّ، وهي التي منحَت أَدبَه ورسمَه تلك القوَّةَ الروحيَّة النافذة التي جعلَته يُمهِّدُ الطريقَ لمُؤَسِّس الداهشيَّة مثلما مهَّدَ "السابق" الطريق إلى "النبيّ". حتَّى كأنَّ جبران قد شعرَ بوجود سيَّال المسيح في نفسه، فكتبَ إلى صديقته مَيّ زياده قائلاً: "لقد وضعَني هذا النبيُّ قبل أن أُحاولَ وضعَه، وأَلَّفني قبل أَن أُفكِّرَ بتأليفِه، وسيَّرَني صامتًا وراءَه سبعةَ آلاف فرسخ قبل أَن يقفَ ليُمليَ عليَّ ميولَه ومقاصدَه. أَرجوكِ أَن تسأَلي رفيقي العنصرَ الشفَّافَ عن هذا النبيّ وهو يقصُّ عليكِ حكايتَه."[16]

يبقى أَن أُشيرَ إلى أنّ الإنسانَ، بعد ولادته، لا يُعطى من السيَّالات الطارئة إلاَّ ما له ارتباطٌ بسيَّاله الرئيسيّ. فليس ثمَّةَ هِباتٌ مجَّانيَّة. ولا يُعطى إلاَّ المُستحقُّون، ولأسبابٍ روحيَّة. ومِثلُ تلك الهِبات الروحيَّة حصلَ في المسيحيَّة  أَوانَ كان تلاميذُ  السيِّد المسيح مُجتمعين والأبوابُ مُقفَلة، بعد أَيَّامٍ من صلبِه ودَفنِه؛ فظهرَ فجأةً لهم، ونفخَ في وجوههم قائلاً: "خُذوا الروحَ القُدُس."[17]وفي التعاليم الداهشيّة  أنَّ مَن ظهرَ للتلاميذ لم يكن يسوع بل شخصيَّةٌ عُلويَّة له (أي سيَّالٌ عُلويّ) كانت قد هبطَت من عليائها وتجسَّدَت وحلَّت محلَّه مُتَّخذةً شِبهَه؛ ولذلك أَوضحَ القرآنُ الكريم هذه الناحية فجاءَ فيه: "وما قتَلوه وما صلَبوه ولكنْ شُبِّهَ لهم."[18]أَمَّا يسوع الناصريّ فقد عاشَ أَكثرَ من عشرين سنة بعد صَلبِ شخصيَّتِه، ولكنْ في الخفاء. وكان يُشرِف على نَشرِ المسيحيَّة. وقد اجتمعَ به بولس الرسول سرًّا، بعد إيمانه به.[19]

 

السيَّالاتُ الوراثيَّة

                إنَّ معظمَ السيَّالات التي تُشكِّلُ كيانَ الإنسان النفسيّ-الجسديّ تأتيه عن طريق المُورِّثات (الجينات) التي تحملُ خصائصَ أَبوَيه مباشرةً وسُلالتَيهما مُداورة. والسيَّالاتُ الوراثيَّة شأنُها شأنُ السيّال الرئيسيّ من حيثُ الجوهر، أَي إنَّها وحداتٌ إشعاعيَّة مُدركة وذاتُ نزعاتٍ واستعداداتٍ وخصائصَ قوَّةٍ أَو ضعف؛ وهي التي تُساعدُ السيَّالَ الرئيسيَّ في قَولبة جينات الإنسان مُشارِكةً في تكوين المُقوِّمات الأُولى لطباعه وميزاته النفسيَّة الجسميَّة. لكنَّ فِعلَ هذه السيَّالات كفِعلِ السيَّال الرئيسيّ لا يظهرُ بتمامِه إلاَّ بعد أَن يكتملَ نموُّ الإنسان، حتَّى لو ظهرَ نبوغٌ ما في الصِّغَر.

                والسيَّالاتُ تتفاوتُ في عددِِها وقوَّتِها ودرجتها الروحيَّة، كما في نوعيَّةِ استعداداتِها والمواهبِ التي قد تحملُها، وكذلك في شُحناتها الذهنيَّة والنـزوعيَّة والصحِّـيَّة والمرَضيَّة. وهذا ما يُسبِّبُ اختلافَ الخصائص الجسديَّة والنفسيَّة حتَّى بين الإخوة أَنفسهم الخاضعين للظروف التربويَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة الواحدة. ولا يقوى التشابُه بين الأشقَّاء إلاَّ إذا كانوا توائمَ مُتماثلين، أي من بُوَيضةٍ واحدة. ولا حاجةَ للتفصيل في هذا الأمر، فقد بات شائعًا في مئات المُؤَلَّفات الطبِّـيَّة التي تشرحُ البرمجة الوراثيَّة المُتأتِّية عن نوعيَّة الـد. إن. آي D.N.A. المنتقلة من الأَب والأُمّ عَبرَ الصبغيَّات (الكروموزومات).[20]

                وجديرٌ بالذكر أَنَّ الآباء والأُمَّهات ينقلون إلى أولادهم المورِّثات التي اكتسبوها هم من آبائهم وأُمَّهاتهم وأجدادهم وجدَّاتهم صعودًا إلى حَدٍّ غير معلوم. ولذلك قد يظهرُ في بعض الأولاد صفاتٌ بقيَت كامنة latent لعدَّةِ أَجيال، بسبب اتِّحادٍ معيَّن بين المورِّثات نتيجةً لسببٍ روحيّ مجهول. ولذلك يظهرُ في العائلة شخصٌ يختلفُ كلَّ الاختلاف عن أَبوَيه في خصائصَ جسديَّةٍ أو نفسيَّةٍ ما.[21]أمَّا العاملُ فقد يعود إلى السيَّال الرئيسيّ الذي سبقَت الداهشيَّة العلمَ في تأكيد وجوده، وإمَّا إلى سببٍ روحيّ مجهول.

                وإنَّه لَحَرِيٌّ بالبيان أَنَّ كلَّ سيَّالٍ مُشترَك بين الأَب أو الأُمّ وأولادهما يبقى على القوَّةِ نفسها لدى جميع المُشتركين فيه، مهما يكُن عددُهم، أي إنَّه لا يضعفُ بامتداده من الأب أو الأُمّ إلى الابن فالحفيد (وربَّما ابن الحفيد) إن كان الثلاثةُ (أو الأربعة) أَحياء معًا، على عكس أيِّ شيءٍ مادّيّ يمتدُّ أو يتوزَّع؛ وهذا يُثبِتُ أنَّ الديناميةََّ الوراثيّة ليست مادِّيـَّة، وإن تشكَّلَت بصورةٍ مادِّيـَّة.

                والتشارُكُ في السيَّالات يحدثُ بين الإخوة والأخوات بقَدْرٍ يُساوي النصيبَ الذي أحرزَه كلٌّ منهم من سيَّالات الوالدَين الموروثة. كذلك يحصلُ التشاركُ في السيَّالات بين الزوجَين ومُقيمي العلاقات الجنسيَّة خارجَ الإطار الزوجيّ.

وأَمرُ التشارُك في السيَّال نفسه بين طرفَين أو أكثر يُرتِّبُ نتائجَ قد تكون وخيمة، أحيانًا، خصوصًا إذا تمادى أحدُ الأطراف في تسفيل سيَّاله؛ وتفصيلُ ذلك سيكون في حلقةٍ لاحقة.

               

شخصيَّةُ الإنسان أو كيانُه النفسيُّ التامّ

                إذًا تتأَلَّفُ شخصيَّةُ الإنسان أَو كيانُه النفسيُّ التامّ من سيَّالٍ رئيسيّ يُداخلُ الجنينَ عند الولادة ويبثُّ فيه الحياة ويطبعُ شخصيَّتَه بطابعٍ مُميَّز، ومن سيَّالاتٍ موروثة، وأحيانًا من سيَّالاتٍ طارئة. وهكذا يتَّضحُ أنَّ شخصيَّةَ الإنسان المُجمَلة، في ضوء التعاليم الداهشيَّة، تضمُّ شخصيَّاتٍ جزئيَّة، أو بتعبيرٍ آخر، إنَّ ذاتَه البشريَّةَ الكُبرى تضمُّ ذواتٍ صُغرى هي كناية عن كياناتٍ نفسيَّة ذاتِ جوهرٍ روحيّ، أي سيَّالات. هذا المفهوم التجزُّئيّ للشخصيَّة تنبَّهَ له عدَّةُ سيكولوجيِّـين، في طليعتهم كارل يونغ Jung وكاتِّل Cattell ، ومُؤخَّرًا دانا زوهار Zohar. فقد اعتبرَ يونغ أَنَّ ما يُسمَّى بالـ"مُعقَّدات النفسيَّة" (أو "العُقَد النفسيَّة") complexes إنَّما هو "شخصيَّاتٌ جزئيَّة" ذات استقلال في التصرُّف إلى حدٍّ بعيد.[22]وأَظهر كاتِّل في دراساته للشخصيَّة أنَّ الإنسانَ مجموعٌ من الوَحدات النفسيَّة المتنوِّعة في قواها واتِّجاهاتها ضمنَ وَحدة الشخصيَّة الكُبرى.[23]أَمَّا دانا زوهار فقد لجأَت إلى استخدام الإيضاحات العلميَّة المَبنيَّة على نظريَّة "الكوانتا" Quanta (الكَمّ) لتُحاولَ أن تُظهرَ أَنَّ كيانَ الإنسان النفسيّ ليس سوى ذواتٍ صُغرى subselves تجمعُها ذاتٌ كُبرى هي شخصيَّةُ الفرد. وذواتُنا الصُّغرى هي أَشبهُ بأَنظمةٍ مُتكاملة من الجُزَيئات يُحاولُ كلٌّ منها أَن يُؤَكِّدَ نفسَه من حينٍ إلى آخَر. فمرَّةً تكون شخصيَّةُ الفرد أَكثرَ تجزُّؤًا، إذْ يبرزُ فيها الطفلُ، أو المتمرِّدُ، أو الكئيب... ومرَّةً تبدو وقد تآلفَت وتكاملَت وتعايشَت بسلام. ومَن يعِشْ في نزاعٍ شِبهِ دائم بين ذواتِه الصُّغرى لا يبقَ له من الطاقة ما يستخدمُه لتوحيد ذواته؛ فيُفقَدُ الاتِّزان ويحدثُ الخلَلُ النفسيُّ أو العقليّ.[24]وتفسيرُ حالات الخَلَل، في ضوء الداهشيَّة، سأُرجئُه إلى ما بعد، حينَ أتحدَّثُ عن تفاعُل السيَّالات وعلاقة بعضها ببعض.

                وقد وردَت عدَّةُ إشاراتٍ في الكتُب المقدَّسة إلى كَونِ شخصيَّةِ الإنسان عبارةً عن مجموعةٍ من الشخصيَّاتِ الجزئيَّة، أو السيَّالات بالتعبير الداهشيّ. ففي "العهد القديم" جاءَ أَنَّ إيليَّا النبيّ قال لأَليشاع: "’سَلْني ماذا أَصنعُ لكَ قبل أن أُؤخذَ عنك.‘ فقال أليشاع:’ليكُن لي سهمان من روحِك.‘"[25]وإنَّما السهمُ هنا يعني السيَّال. فإذا كانت النفس أو الروح ليست مجموعةَ نفوسٍ جزئيَّة، فكيف يُمكنُ تجزيئُها؟

                ووردَ في "العهد الجديد" أَنَّ امرأَةً بها نزفُ دَمٍ دَنَت من خَلف يسوع ومسَّت هُدبَ ثوبه، وللوقت برِئت. وإذْ سأَلَ يسوع عمَّن لمسَه، تعجَّبَ تلاميذُه من سؤاله لأنَّ الجموعَ كانت تزحمُه. فقال: "إنَّه قد لمسَني واحدٌ لأنِّي شعرتُ بأَنَّ قوَّةً قد خرجَت منِّي."[26]هذه القوَّة التي تخرجُ من إنسان لتحلَّ في آخَر إنَّما هي "السيَّال".

                وجاءَ في القرآن الكريم: "يا أَيُّها الناس، اتَّقوا ربَّكم الذي خلقَكم من نفسٍ واحدة وخلقَ منها زوجَها، وبثَّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءً.."[27]فتلك النفوس التي تنبثُّ من نفسٍ واحدة وتتكاثرُ لتُصبحَ ملايينَ فبلايين إنَّما هي نفوسٌ جزئيّة أو سيَّالات. 

وفي هذا الضوء يجبُ أن نفهمَ معنى "الضِّلع" التي استلَّها الربُّ من جسد آدم ليُكوِّنَ حوَّاء، فهي بعض سيَّالاته وقد اتَّخذَت صورةً مادِّيـَّة.

 

الضَّمـير

                في كلِّ إنسانٍ سيَّالٌ مُميَّز هو السيَّال الأعلى. هذا السيَّال هو ما يُسَمَّى بالـ"ضمير"؛ وقد يكون السيَّالَ الرئيسيَّ أَو سيَّالاً موروثًا أو طارئًا. فميزتُه في أَنَّ درجتَه الروحيَّة هي الأعلى بالنسبة لسائر السيَّالات التي تُؤَلِّفُ كيانَ الإنسان النفسيّ.

                وللضمير صوتٌ باطنيّ يكونُ قويًّا وفعَّالاً بقَدرِ ما تكونُ درجتُه الروحيَّة راقية. وعلى العكس، فهو يخفتُ حتَّى يكادَ لا يُسمَع في مَن تسفَّلَ كلُّ سيَّالٍ فيه. وهذا ما يُفسِّرُ تفاوُتَ النفوس "اللوَّامة" بين البشر.[28]فضميرُ غاندي الذي كان المرجعَ الأَعلى لتصرُّفاتِه، يستوحيه في اختيار أَعماله كما في حَلِّ مُشكلاته، ليس كضمير إنسانٍ عاديّ تارةً يسمعُ صوتَ ضميره فيرتدع عن إتيان الشرور أو تعاطي الرذيلة، وطورًا لا يسمعُه، وليس بالأحرى كضمير إنسانٍ أصبحَ مُجرمًا مُحترفًا، ففقدَ كلَّ صوتٍ يلومُه أو يردعُه. والضميرُ في الإنسان، بلا رَيب، هو مِقياسُ رُقيِّه الروحيّ.

 

المـواهِـب

                الموهبة المَعنيَّة هنا هي القدرةُ العالية في الأَدب أَو الفنّ أَو العِلم. وهي، بصورةٍ عامَّة، سيَّالٌ عُلويّ، أي هابطٌ من عالَمٍ أَسمى من الأرض بدرجته الروحيَّة. وقد يكونُ هذا السيَّالُ رئيسيًّا أو موروثًا أَو طارئًا. وهو يُشكِّلُ دافعًا ديناميًّا في الإنسان، أَي رغبةً مِلحاحًا للتعبير عمَّا يختزنُه، بحيثُ يُصبحُ إشباعُه مُلِحًّا كإشباع أيَّة حاجةٍ أساسيَّة، كحاجة الطعام والشراب. ومَن يُحرِز مِثلَ هذا السيَّال تُصبح سعادتُه في تغذيته بتنميته والتعبير عنه بصورةٍ شبهِ دائمة. ولِذا فالموهوبون من الأُدباء والعُلماء والفنَّانين يعيشون حياتَهم للعطاء، ويذوبون تحت وهج مواهبهم، وترتاحُ نفوسُهم وإن يكونوا فقراء، شرطَ أن لا يُمنَعوا عن عطاء ثمارهم. ومن خلال قراءتنا لقصَّة "الحُلم الهابط إلى أرض البشر" التي أَلمعتُ إليها أَعلاه، يتَّضح لنا أَنَّ سيَّالات المواهب المُميَّزة تقطنُ في كواكبَ عُلويَّة مجيدةٍ خاصَّة، وأنَّ أصحابَها ينفخون روح العزاء والرقيِّ في الأرض؛ فهم يُساعدون الأنبياءَ والهُداةَ الروحيِّين، بصورةٍ عفويَّة، في إرهاف حسِّ الجمال في الإنسان، وترقية مداركه، وإصلاح مفاسده، كما في مَسحِ جراح البائسين والمظلومين ببلسمٍ عُلويّ.

                وإذا كان سيَّالُ الموهبة هو السيَّال الرئيسيّ فصاحبُه يبقى مُستمرَّ العطاء والإبداع ما دام حيًّا، شرطَ أن لا يُصابَ بمرضٍ أو خلَل. فهيغو Hugo ظلَّ حتَّى أَواخر عُمره يُبدعُ في نثره وشعرِه، وفردي Verdi أَنهى أُوبرا "فولستاف"  Falstaff في الثمانينيَّات، وميكال آنجلو كان ينحتُ تمثالَ "بيـيتا" Pieta قُبَيل أن يُتوفَّى في التاسعة والثمانين، وتيسيان Titian كان ما يزال يرسمُ لوحاته الرائعة في أواخر الثمانينيَّات،  وغيرُهم كثيرون.

                أمَّا إذا كان السيَّال موروثًا أو طارئًا، فإنَّه قد يُبارحُ صاحبَه في أيَّة مرحلة من عُمره لسببٍ روحيّ قد يعودُ إلى إهمالِ صاحبه له أو مُحاولة تسفيله إيَّاه. وهذا سرُّ كَفِّ كثيرين من الأُدباء والشعراء عن الإبداع بعد مرحلةٍ خصبةِ العطاء.

أَمَّا العناصرُ الأُولى التي تتألَّفُ منها سيَّالاتُ المواهب، أَعني الإدراك العقليّ والتخيُّل والتذكُُّر والمهارة اللُغويَّة أَو الصوتيَّة أو اللونيَّة، فقد أشبعَها الباحثون درسًا، ولا حاجةَ للمزيد فيها.

 

الغربةُ الروحيَّة

قد يشعرُ مُهاجرٌ بالغربةِ في البلدِ الجديد الذي استوطنَه، وقد يشعرُ المظلومُ بالغربة في وطنِه إذا اغتُصِبَت حقوقُه ولم يجِد مُناصِرًا، وقد تشعرُ المرأةُ بالغربة في قومِها إذا عومِلَت مُعاملةَ الأجيرة أَو الخادمة، لكنَّ هذه الغربة بمختلف أَوجُهها لا علاقةَ لها بالغربة الروحيَّة التي أَعنيها.

الغربةُ الروحيَّة هي غربةُ الأَنبياء في أوطانهم وبين أقوامِهم وأَهاليهم. إنَّها التي أشار إليها السيِّدُ المسيح بقوله مُخاطبًا أباه السماويَّ على جبل الزيتون، قُبَيل إلقاء القبضِ على شخصيَّته المُتجسِّدة: "بلَّغتُهم [تلاميذي] كلامَك قأَبغضَهم العالَمُ لأنَّهم لا ينتمون إلى العالَم كما أَنا لا أَنتمي إلى العالَم."[29]وهي غربةُ مُؤَسِّس الداهشيَّة الذي قال وهو في الرابعة والعشرين:

"نعم، أَنا غريبٌ في هذه الحياةِ الغريبةِ عنّي،

نعم، أَنا جئتُ من عالَمٍ مُضيءٍ غيرِ هذا العالَمِ الكئيب..."[30]

والذي قال في الخامسة والثلاثين:

"أَنظرُ إلى كياني فأَجدُني غريبًا عن هذا العالَم البعيدِ عن أهدافي.

أَسيرُ في صحرائه مُنفرِدًا دون أَن يكونَ لي رفيق

يشعرُ ما أشعرُ به ويحسُّ ما أحسُّه في هذا الكون..."[31]

والذي تكرَّرَ شعورُه وتعبيرُه عن هذه الغربة حتَّى أيَّامه الأخيرة.

غربةُ الأنبياء والهُداة الروحيِّين تلك هي نفسُها، وإن تكُن أخفَّ حدَّة، غربةُ العباقرة من الأُدباء والشعراء والفنَّانين والعلماء مِمَّن أُوتوا موهبةً عُلويَّة. فكثيرون منهم يشعرون بالغربة الروحيَّة بالرغم مِمَّا يكتنفُهم من شهرةٍ وتكريم. يكفي النظر إلى الشاعر الفرنسيّ لامرتين Lamartine والشاعر الإنكليزيّ جون ييتس J. Yeats وإلى جبران خليل جبران ومُطلَق عبد الخالق، فنُدرك عمقَ الغربة التي عاشوها. إنَّه حنينُ السيَّال العُلويِّ للعودة إلى وطنِه الأصليّ غير الأرضيّ. هذا الحنين أَيَّده أيضًا السيكولوجيّ جايمس هيلمان.[32]

 

الأَعمار والموتُ

لا شكَّ بأَنَّ الطبَّ الجراحيَّ تقدَّمَ كثيرًا عمَّا كان عليه في بداية القرن العشرين، بفضلِ تكاثُر العمليَّات الجراحيَّة من جرَّاء الحروب والكوارث الطبيعيَّة والبشريَّة، ولا رَيبَ في أَنَّ معرفةَ العُلماء بأسرار الخلايا والجُزَيئات والمُورِّثات قد ازدادت أضعافًا عمَّا كانت عليه قبل نصف قرن، حتَّى إنَّ بعضَ الخُبراء في العِلم جعلوا يُبشِّرون بخلودٍ قريبٍ للإنسان مثلما ذهبَ إليه بِن بوفاBen Bova[33]وغيرُه؛ لكنَّ الحقيقةَ الروحيَّةَ غيرُ ذلك. ففي التعاليم الداهشيَّة أنَّ الموتَ يحدثُ آنَ ينطلقُ السيَّال الرئيسيّ من الإنسان، هذا السيَّالُ الذي بثَّ الحياةَ فيه. وانطلاقُ هذا السيَّال مُحدَّدةٌ لحظتهُ بجينات الإنسان كما بأَعماله ورغباته معًا. أمَّا جيناتُه فعُمرُه فيها مُبرمَجٌ وَفقَ تقمُّصاته السابقة؛ وأمَّا أَعمالُه ورغباتُه فتبدأُ بتغيير ذلك البرنامج منذ وَعيِه الخيرَ والشرَّ ومسؤوليَّته عن أعماله وأَفكاره ورغباته.

إذًا ثمَّةَ نظامٌ روحيّ يستحيلُ على الإنسان تغييرُه. أَمَّا عُمرُه فهو رَهنٌ باستحقاقه، وبإمكانه إطالتُه أو تقصيرُه، لكنْ ضمنَ الحدود المرسومة لكوكبِ الأرض.

فمن الحقائق الروحيَّة التي تلقَّيتُها أنَّ الكائنات الذين في الدرجةِ العُليا من عوالم النعيم يعيشون مليونَي سنة من سنوات الأرض. وهذا العُمر يتناقصُ تدريجًا في مئةٍ وخمسين درجة حتَّى يصلَ إلى ما نحن عليه في الأرض التي هي على عتبة العوالم السُّفلى (أي مباشرةً بعد الدرجة الأُولى انحدارًا). فلا خلود (بمعنى عدم الموت) إلاَّ في العوالم الروحيَّة حيثُ ينتفي وجودُ المادَّةِ إطلاقًا. وفي هذا الضوء، مَن يطمحُ إلى الخلود الحقيقيّ فعليه أن يطمحَ إلى بلوغ العوالم الروحيَّة؛ ولا دخولَ إلى هذه العوالم السعيدة المجيدة الكلِّـيَّة المعرفة والقدرة إلاَّ لِمَن تخطَّى العوالمَ المادِّيـَّةَ جميعها بما فيها درجاتُ الفراديس المئة والخمسين. وهذا أمرٌ لا يستطيعُه إلاَّ إنسانٌ عاشَ عيشةَ المهاتما غاندي تقشُّفًا وزُهدًا ونزاهةً وتواضُعًا وصِدقًا في الظاهر والباطن وشجاعةً روحيَّة وخدمةً للإنسانيَّة. وأَمثالُ غاندي نادرون في التاريخ.

وعند انفصام السيَّال الرئيسيّ عن الجسد المادّيّ، يرتدي جسدًا روحيًّا (أو طَيفًا روحيًّا)، ويُؤتى المعرفةَ الروحيّة، فيُدرك أَخطاءَه ونتائجَها، وأسبابَ مُنغِّصاته، كما يُدركُ بواطنَ الذين كان يتعاطى معهم وحقائقَ الناس وشرورَهم رجالَ دينٍ ودُنيا؛[34]ثمَّ ينطلقُ إلى العالَمِ الذي يستحقُّه إذا كانت درجةُ السيَّال أرقى من درجة الأرض أو أسفل منها، أو يحتلُّ تجسُّدًا جديدًا في الأرض إذا كان ما يزالُ ضمنَ حدود مُستوياتها الروحيَّة.

ومن أَفضلِ النصوص الروحيَّة التي توضِحُ الموت خارقةٌ حدثَت في 1/8/1942، وقد دوَّنَها الشاعرُ حليم دمُّوس، مُؤَرِّخُ الوقائع الداهشيَّة. خُلاصتُها أَنَّه كان في منزله مع الدكتور داهش ويوسف الحاجّ عند الساعة العاشرة ليلاً. وإذا مُؤَسِّسُ الداهشيَّة يُحدِّقُ من النافذة إلى الفضاء. وسرعان ما شعروا بهمسٍ خافت عقبَه تكوَُّنُ  "شبهِ ضبابة"  تكاثفَت تدريجًا حتَّى تجسَّدت أمامهم  شخصًا  "أحمر الوجه، غريب التكوين... وجهُه كصفحةِ مرآةٍ صقيلة،" وكان يُقاربُهم طولاً. ثمَّ أخذ يُحدِّثُهم سريعًا بلغةٍ غريبة. فطلبوا إليه أن يُكلِّمَهم بالعربيَّة إذا أمكن. فوضعَ الدكتور داهش يدَه على فمِه، فطفقَ يتحدَّث بالعربيَّة. قال:

’إنَّني أَحدُ سكَّان عالَمٍ من العوالم الغير المنظورة بأعينكم البشريَّة. وقد سبقَ لي وكنتُ أحدَ أبناء أرضكم، وذلك منذ آلافٍ خلَت من الأعوام. فحدثَ لي ما تُسمُّونه أنتم ’الموت‘؛ ولكنَّه في حقيقته ’انتقال‘ من عالَم إلى عالَم آخر. وما كدتُ أُغمضُ عينيَّ نهائيًّا في أرضكم، وأخلِّفُ جسدي طُعمةً للديدان الحقيرة حتَّى وجدتُ نفسي في عالَمٍ  بهيّ رائع الفتنة.

أَمَّا إذا سألتموني: ’وكيف لا نستطيع نحن الأحياء أن نُشاهدكم أنتم الذين خلعتم عنكم رداءَ المادَّة الغليظة وارتديتم اللباسَ الروحانيَّ الشفَّاف اللطيف؟‘ فهذا شرحُه يحتاجُ إلى مجلَّدات عديدة، ويحتاجُ إلى وجودي بينكم ساعاتٍ طويلة غير مُمكنة التحقيق، لأنَّ ساعةَ رحيلي من بينكم قد أزفَت ... ولكنَّني أُفهمكم أنَّ لكلِّ بشريٍّ جسمَين: أحدُهما ’مادِّيّ‘، والآخَر ’روحانيّ‘... ويوجَد فارقٌ عظيم بين الموجات الاهتزازيَّة المادِّيـَّة والموجات الاهتزازيَّة الروحيَّة... فالموجات الاهتزازيَّة في عالمكم ’المادّيّ‘ تقلُّ جدًّا عن... التي تتمُّ في عالَم الأرواح.

فعندما يحدثُ عندكم ’الموت‘، ينفصلُ الطَّيفُ ’الروحانيّ‘ الذي يُمثِّلُ شخصيَّتَكم الثانية، وينطلق نحو عالَمِه الذي تأتلفُ اهتزازاتُه وموجاتُه باهتزازات وموجات هذا الطَّيف. ومن هنا يتعذَّرُ عليكم مُشاهدة هذا الطَّيف، لأنَّ نظرَكم ’المادّيَّ‘ يخضعُ لقانون عالَمكم ’المادِّيّ‘، ولموجاته البطيئة بالنسبة إلى العالَم الروحيّ وموجاته السريعة... ولأُقرِّبَ لكم الأمرَ زيادة كي تفهموه، أَقولُ لكم: هَبوا أَنفسَكم وُقوفًا في شارعٍ ما، وهَبوا أنَّ سيَّارةً ما تسيرُ بسرعةٍ جنونيَّة دون أن تتمكَّنوا من معرفة مَن هم في داخلها نظرًا لسرعتها الخاطفة. أمَّا لو قُيِّضَ لكم امتطاءُ سيَّارة ثانية وتبعتموها حتَّى تبلغوها، ثمّ سرتم جنبًا إلى جنب، فمهما كانت السرعة التي تسيرون بها، فإنَّكم ستُشاهدون مَن هم في داخلها، مثلما يُشاهدونكم هم بدورهم، لأنَّ سرعتَيكما مُتساويتان. وهكذا عالَمُنا ’الأَثيريّ‘ لا يُمكنُكم مُشاهدتُه بعيونكم التي ما تزال خاضعة لناموس المادَّة الأرضيَّة وموجاتها التي هي أَبطأُ جدًّا من موجات عالَمنا الروحانيّ.‘ وما لبثَ أن تلاشى من أمامهم.[35]

إذًا الموتُ ليس فناءً، فالسيَّالاتُ لا تفنى، بل تنتقلُ  من حالةٍ إلى حالة، ومن تجسُّدٍ إلى آخَر؛ وقد يكونُ هذا التجسُّد في عالَمٍ عُلويّ مثلما الحالُ في الخارقة المتقدِّمة، كما قد يكون في الأرض أو في عالَمٍ سُفليّ. والشرحُ المُعطى تُؤَكِّدُه نظريَّةُ النسبيَّة التي قدَّمَها آينشتاين، كما يُؤَكِده ما أثبتَه العِلم عن عجز الحواسِّ الإنسانيَّة (وبينها البصر والسَّمع والشمُّ واللمس) عن تجاوُز حدودٍ معيَّنة.

(في الحلقة المُقبلة سأتناولُ بالشرح التفاعلات بين سيَّالات البشر في ذواتهم وفي ما بينهم، وبينهم وبين البيئة الطبيعيَّة، ثمَّ أتناولُ، في الحلقة الرابعة والأخيرة سيَّالات العقل الباطن.)



[1]. إيمانُ اليهود بالتقمُّص في حياة  المسيح ظاهرٌ في إنجيل لوقا 9: 18-19، وإنجيل مرقس 6: 15-16. وإيمانُ السيِّد المسيح وتلاميذِه بالتقمُّص يظهر في متَّى 5: 48 و12: 32 و18: 18، وفي رؤيا يوحنَّا 2: 25-27. أَمَّا تلاميذ المسيح فيظهرُ إيمانُهم بالتقمُّص في متَّى 11: 13-15 و17: 10-13. والجديرُ بالذكر أَنَّ أُوريجينوس (من آباء الكنيسة الأوائل) كان يُؤمنُ بالتقمُّص.

                والناظرُ في القرآن الكريم، من غير مُسلَّماتٍ سابقة، يمكنُه العثور على ما يؤَكِّدُ التقمُّص في عدَّة آيات: البقرة: 28 و165؛ الانفطار: 6-8؛ غافر: 111؛ المائدة: 160؛ الأعراف: 166؛ الواقعة: 60.

[2]. مذهب سيكولوجيّ أنشأَه جون واطسن J. Watson عام 1913، ثمّ طُوِّرَ فيما بعد؛ وهو يعتمد ملاحظةَ ما يُراقَبُ ويُحصى في سلوك الإنسان وردَّات فِعله، ويغضُّ النظر عن كلِّ ما هو ذاتيّ كالعمليَّات العقليَّة والعواطف والانفعالات والدوافع النفسيَّة.

James Hillman. The Soul’s Code: In Search of Character and Calling (New York: Random House, 1996), pp. 3-62.. [3]

 

Ibid., pp. 3-40; 101-108; 128-136..[4]

Dean Keith Simonton.Greatness (New York: The Guilford Press, 1994), pp. 239-246. . [5]

 

[6]. كنتُ قد فصَّلتُ البحثَ في هذا الموضوع في حلقتَين سابقتَين. أنظر غازي براكْس: "أَهمِّـيَّةُ العقل في الرقيِّ الروحيّ بمفهوم مُؤَسِّس الداهشيَّة" ("صوت داهش"، آذار/مارس، 1999، ص 5-18)؛ و"أَهلُ الفكر والأدب والفنّ: دورُهم ومسؤوليَّتُهم في الرقيِّ الحضاريّ في ضوء المفاهيم الداهشيَّة"، ("صوت داهش"، صيف 2002، ص 9-20).

[7]. الدكتور داهش: "قصص غريبة وأَساطير عجيبة"، ج 1 (بيروت: دار النسر المُحلِّق، 1979) ص 20. وكلمة "روح" في العبارة الواردة يجبُ أن تُفهَم بمعنى "سيَّال روحيّ"، لأنَّ "الروحَ"، بالمفهوم الداهشيّ، لا تُفارقُ عالَم الأرواح.

[8]. الدكتور داهش: مُذكِّرات يسوع الناصريّ" (نيويورك: الدار الداهشيَّة، 1991)، ص 23.

[9]. الدكتور داهش: "قصص غريبة وأَساطير عجيبة"، ج 1 ، ص 35-36.

[10]. غازي براكْس: "مُعجزات الدكتور داهش ووحدةُ الأديان" ، مُحاضرة أُلقِيَت في المُنتدى الكبير بالجامعة الأمريكيَّة في بيروت، بتاريخ 12/5/1970، ط ثانية (بيروت: دار النسر المحلِّق، 1974)، ص 31-32.

[11]. أنظر غازي براكْس: "جبران خليل جبران في دراسة تحليليَّة-تركيبيَّة لأدبِه ورسمِه وشخصيَّته"، ط 2 (بيروت: دار الكتاب اللبنانيّ، 1981) ص 534.  وقد توفّيَ بلايك في 12/8/1827، ووُلِد روزيتّي في 12/5/1828 ثمّ تُوفِّيَ في 9/4/1882، وُوُلِد جبران في 6/1/1883. ومن حساب عدد الأيَّام بين وفاةِ بلايك وولادة روزيتّي، ثم بين وفاة روزيتي وولادة جبران نرى أنَّ الفترةَ هي نفسها تقريبًا: تسعة أشهر.

[12]. أنظر غازي براكْس: "جبران خليل جبران في دراسة تحليليَّة-تركيبيَّة لأدبِه ورسمِه وشخصيَّته"، ط 2، "محور الأُمّ"، ص 115-221.

[13]. أكَّدت الاكتشافات الأثريَّة مُؤَخَّرًا ما ذهبَ إليه الدكتور داهش قبل أكثر من نصف قرن. أنظر:

William Ryan & Walter Pitman. Noah’s Flood: The New Scientific Discoveries About The Event That Changed History . New York: Simon and Schuster, 1998.

[14]. أنظر الدكتور داهش: : "قصص غريبة وأَساطير عجيبة"، ج 1 ("الكوكب فومالزاب")، ص 212-217. ما قدَّمَه الدكتور داهش في القصَّة المُشار إليها مِثالٌ على زواج "أبناء الله" بـ"بنات الناس" وَفقَ ما وردَ في "سِفر التكوين"، 6: 1-4؛ علمًا بأنَّ التفسيرَ الذي يُعطيه معظم رجالُ الدين المسيحيّ لمفهوم هذا الزواج غيرُ صحيح.

Nicholas Wade, “Men’s Survival Secret: Bending Y  Chromosome” in New York Times, June 19, 2003 [15]

                وذلك نقلاً عن مجلَّة Nature الصادرة في التاريخ نفسه.

[16]. أنظر غازي براكْس: "جبران خليل جبران في دراسة تحليليَّة-تركيبيَّة لأدبِه ورسمِه وشخصيَّته"، ط 2 ،ص 237-238 وص  540-541.

[17]. إنجيل يوحنَّا 20: 19-23.  ليس في قدرة البشر أن يمنحوا الآخَرين سيَّالات، أو نِعَمًا، مثلما يحلو لبعض المُبشّرين المسيحيِّين أن يُسمُّوها؛ فهذا نوع من التدجيل.

[18]. سورة النساء: 157.

[19]. وَفقًا للتعاليم الداهشيَّة كان يتجسَّدُ للسيِّد المسيح، في فتراتٍ قليلة معيَّنة، سيَّالٌ عُلويٌّ واحد مُتَّخذًا شِبهَه، ولكنَّ التلاميذَ لم يكونوا يعرفون ذلك لسببٍ روحيّ؛ في حين أَنَّ كثيرين من الداهشيِّين وبينهم أَنا عايَنوا عدَّةَ شخصيَّاتٍ للدكتور داهش كانت تتجسَّدُ، في الوقت نفسه، إمَّا في مكانٍ واحد مُرتديةً ثيابًا مُختلفة، أو في  أمكنةٍ مُتباعدة حتَّى آلاف الأميال. ومثلما صُلِبَت شخصيَّةٌ عُلويَّة للسيِّد المسيح، فقد قُتِلَت رَميًا بالرصاص شخصيَّةٌ عُلويَّة للدكور داهش في أوَّل تمُّوز/ يوليو عام 1947، وذلك في آذربيجان بإيران. وبعدئذٍ ظهرَ الدكتور داهش للناس وللصحافة مدَّةَ 37 عامًا. أنظر غازي براكْس: "مدخل إلى الداهشيَّة" (نيويورك: الدار الداهشيَّة، 1991 )، ص  120.

[20]. هذه القاعدة يُمكنُ أَن يكونَ لها شذوذ في حالة الاستنساخ إذا تَمَّ بنجاح من غير أَن يشتركَ فيه رجُل.

[21]. أنظر، مثلاً، ج. ب. جيلفورد (مُشرف على التأليف): ميادينُ علم النفس النظريَّة والتطبيقيَّة، ج 2، ترجمة د. يوسف مراد (مصر: دار المعارف، 1962)، ص 527.

C. J. Jung. L’homme à la découverte de son âme (Genève: Ed Du Mont Blanc, 1962),.[22]
pp. 181-197.

  R. Cattell. La Personnalité, Vol. 2 (Paris: P.U.F., 1956) , p. 919 .  .[23].

  Dona Zohar. The Quantum Self: Human Nature and Consciousness Defined by the New Physics (Ney York: Quill/William Morrow, 1990), pp. 107-124.[24]

[25]. سِفر الملوك الثاني 2: 9. ومن المُضحِك أنَّ بعض الشارحين، لعجزهم عن فهم الحقيقة، فسَّرَ السهمَين بامتياز الابن الأكبر. فما علاقةُ الامتياز الدُّنيويّ بالروح، إذ قال أليشع لإيليَّا: "لِيكُن لي سهمان من روحِك."؟

[26]. إنجيل لوقا 8: 46.

[27]. سورة النساء: 1 .

[28]. هذا الضميرُ العُلويّ الذي يلوم الإنسانَ على كلِّ ما يُسفِّلُ نفسَه سمَّاه القرآنُ الكريم "النفس اللوَّامة"، وجعلَه جليلَ الشأن، إذْ قال: "لا، أُقسِمُ ببومِ القيامة، ولا، أُقسِمُ بالنفسِ اللوَّامة..." (سورة القيامة: 1-2)

[29]. إنجيل يوحنَّا 17: 14.

[30]. الدكتور داهش: "القلبُ المحطَّم" (بيروت: دار النسر المحلِّق، 1984)، ص 35. أنظر أيضًا "أنا وحيد"، ص 155؛ و"أنتم وأنا"، ص 97؛ و"لي ولكم"، ص 100.

[31]. الدكتور داهش: "نبال ونصال" (بيروت: دار النسر المحلِّق، 1971)، ص 62.

James Hillman. The Soul’s Code: In Search of Character and Calling, pp. 53-57.  .[32]

 

   Ben Bova. Immortality: How Science Is Extending  Your Life Span-And Changing the World. New York: Avon Books, 1998. أ نظر[33].

[34]. د. داهش: "قِصص غريبة وأساطير عجيبة"، ج 2، ص 193-195 من "أَسرار الحياة والموت".

[35]. حليم دمُّوس: "مُعجزاتُ مُؤَسِّس العقيدة الداهشيَّة ومُدهِشاتُه الخارقة" (بيروت: دار النار والنور، 1983)، ص 89-91.

Developed by Houssam Ballout        Copyright 2019 This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.nfo All Right Reseved This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.